فى الوقت الذى كانت الفصائل الفلسطينية ترحب باتفاق المصالحة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية وفى قلبها حركة فتح، كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتينياهو، يبدى انزعاجه الشديد من هذه الخطوة، ويهدد قائلا إنه يخير السلطة الفلسطينية بين السلام مع إسرائيل أو السلام مع حماس.
والمعنى واضح من تهديد رئيس الحكومة الإسرائيلية، فهو يرى أن أى خطوة تؤدى إلى توحيد الصف الفلسطينى، معناها التأثير على الصف الإسرائيلى، لكن مخاوف إسرائيل يمكن قراءتها على نحو إضافى، وهو أن ما حدث يوم الأربعاء الماضى بتوقيع المصالحة، هو فرز طبيعى لما حدث فى مصر بعد ثورة 25 يناير، فطوال السنوات الماضية منذ القطيعة بين حماس والسلطة، لم تنجح مصر فى التقريب بين الطرفين بالرغم من كل جولات الحوار بينهما، ليس بسبب خلاف الرؤية وفقط، وإنما لأن إسرائيل كانت توجد فى المشهد بطريقتها الخاصة عبر مبارك، وذات مرة سألت أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان فى القاهرة فى إحدى جولات الحوار الفلسطينى، عن الأسباب الحقيقية التى تؤدى إلى فشل جهود المصالحة، فأجاب الرجل إن المشكلة تكمن دائما فى الوسيط المصرى، الذى ينحاز دائما إلى رؤية السلطة، وهو ما كان يؤدى إلى شعور يصل إلى حد اليقين بين مختلف الفصائل بأن الوسيط المصرى غير نزيه، وزاد فى قوله بأنهم كانوا يجدون فى بعض الأحيان ورقة معدة من مصر بمعرفة السلطة، والمطلوب من باقى الفصائل هو التوقيع عليها دون مناقشة، وكانت فى مجملها فى بعض الأحيان تعطى انطباعا بأن إسرائيل هى التى تقف وراء الأفكار التى كانت تحتويها مثل هذه الأوراق.
وبعيداً عما إذا كان كلام هذا المسئول صحيحاً أما لا، فإن قراءة الدور المصرى كله خلال عصر مبارك تقودنا إلى أنه بالفعل لم يكن هناك نزاهة كاملة فى تواصل مصر مع مختلف الفصائل الفلسطينية، وأدى ذلك إلى تعميق حالة الاستقطاب بين أطراف عربية مع الفصائل الفلسطينية، ليكون هناك محور القاهرة مع فتح، ومحور دمشق ثم قطر مع حماس وباقى الفصائل، وأدى كل ذلك إلى أن تفقد مصر قيمتها الحقيقية فى أن تكون اللاعب الرئيسى فى القضية.
ومع زوال نظام مبارك، أصبحنا أمام معطيات جديدة تدفع مصر إلى دورها الحقيقى والمعهود فى القضية الفلسطينية، وبدأت فى ذلك بالوقوف أمام كل الأطراف لتتحمل مسئوليتها، دون انحياز مسبق لفريق على حساب الآخر، وتأسيسا على ذلك جاء تهديد نيتينياهو الذى لم يكتفِ بقراءة خريطة المصالحة على أنها إصلاح فى البيت الفلسطينى، وإنما قد تكون خطوة فى إصلاح البيت العربى الذى تتفجر ثوراته من بلد إلى آخر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة