استخدام الطاقة النووية فى توليد الكهرباء من التقنيات التى يلزم معها توفير الثقافة النووية لدى جماهير الشعب على جميع مستوياتها العلمية والاجتماعية والسياسية، وقد رأيت بنفسى العديد من دول العالم كيف تنظم مراكز الإعلام النووية، وكيف تنظم الرحلات العلمية لزيارة محطاتها النووية من قبل جميع الفئات العمرية من طلبة المدارس فى مراحلها الأولية إلى طلاب الجامعات والعاملين فى مراكز الإعلام واتخاذ القرار فى الجهات والوزارات المختلفة، إن ذلك يساعد كثيرا فى توفير الثقافة النووية لدى الجمهور عامة ولدى الإعلاميين من صحافيين وإذاعيين ومقدمى برامج تليفزيونية، بالإضافة إلى السياسيين ومتخذى القرار.
ولكن للأسف ألمس قصورا كبيرا فى مصر فى هذا المجال، وأكبر دليل على ذلك حادث محطة فوكوشيما النووية اليابانية، فقد كنت أتمنى أن يقوم علماء مصر النوويون بتوضيح الصورة بكل أمانة ودقة وشفافية وشرح حقيقة ما يجرى فى اليابان حتى يتعرف الشعب بجميع قطاعاته بكل موضوعية على حجم هذا الحادث النووى الحقيقى، ومدى انعكاساته على البرنامج النووى المصرى، وخاصة أن هؤلاء العلماء لطالما شارك معظمهم، أو تحدثوا عن رغبتهم بالمشاركة فى البرنامج النووى المصرى بإعداد ومراجعة مواصفات المحطة النووية الأولى فى مصر.
إن قصور العلماء النوويين والمتخصصين فى المفاعلات النووية فى التخاطب مع جماهير الشعب العريضة من خلال وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية أدى الى إخلاء الساحة أمام بعض الإعلاميين - بقصد أو بدون قصد - إلى التهويل فى عواقب الحادث النووى فى اليابان وأحيانا يوردون الأخبار بطريقة "ويل للمصلين"، وذلك عن طريق بتر الحقائق أو كتابة عنوان بالبنط العريض عن تسرب إشعاعى خطير أو تلوث إشعاعى أو تلوث منتجات غذائية وخلافه، فى حين تقرأ فى تفاصيل الخبر ما ينفى ذلك، حيث يقول أكبر مساعد مدير مكتب رئيس الوزراء اليابانى إن المستويات الحالية لا تشير لأى ضرر محتمل للصحة، أو يصرح المتحدث باسم الحكومة اليابانية أن مستويات اليود المشع ومعدن السيزيوم إلى تم قياسها أدنى بكثير من المستويات القانونية والآمنة.
هذا القصور من العلماء النوويين فى شرح المعلومات لوسائل الإعلام المختلفة أدى إلى تهويل وسائل الإعلام فى عواقب هذا الحادث، ولدرجة أن أحد الصحفيين (الذى أكن له كل تقدير واحترام وله أدبياته المشهود لها بالتميز)، ينشر مقالا بعنوان "الجنون والمسألة النووية المصرية" يتهم فيه المدافعين عن استخدام الطاقة النووية فى مصر فى توليد الكهرباء بالجنون وتقليص لمجال البصيرة ويتعجب قائلا: "أى عمل أو أى جنون أن يصرح مصدر رفيع بوزارة الكهرباء بالمضى قدما فى مشروع المحطة النووية الأولى فى مصر".. ضاربا عرض الحائط أن من هؤلاء ما لديهم الخبرة والبصر والبصيرة ما يمكنه أن يتخذ الرأى الصائب والمبنى على الحقائق العلمية والاقتصادية والسياسية وليس الرأى المبنى على التخوفات الوهمية والمبالغ فيها والتى لا تستند إلى حقائق علمية أو موضوعية، لا يعلم هذا الصحفى الأديب أن هؤلاء الذين يتهمهم بالجنون والعمى قد أفنوا عمرهم فى خدمة هذا البلد، ومن أجل مستقبل أجياله ومنهم من كان يعمل بالخارج وعاد عندما دعا الداعى إلى عودته للمشاركة فى هذا البرنامج لتقديم خبرته لمن يحتاجها دون طمع فى مركز أو مكسب مادى وكان يمكنه – ولا يزال يمكنه – العمل بالخارج بأضعاف أضعاف ما يحصل عليه فى بلده من دخل أو تقدير.
وهناك من نشر أن ألمانيا أوقفت مفاعلاتها بسبب حادث اليابان، وحقيقة الأمر أن المستشارة ميركل أصدرت تعليماتها بإيقاف سبعة مفاعلات نووية فقط من مجموع 17 مفاعلا نوويا، وهذه المفاعلات السبعة قد بدأ إنشاؤها فى السبعينات ودخلت الخدمة قبل عام 1980، وكان لابد من مراجعة أمان تشغيلها وخاصة أنها من الجيل الأول من المفاعلات.
المسألة خطيرة وتحتاج إلى شرح تفاصيل الحادث النووى اليابانى وانعكاساته على البرنامج النووى المصرى. وتفنيد ما نشر من تهويلات وتخوفات غير موضوعية - بقصد أو بدون قصد – لتكون الصورة واضحة أمام جماهير شعبنا العظيم وأمام متخذى القرار وهذا ما سيدور حوله مقالى القادم.
• كبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية (سابقا).
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة