لا أحب مصطلح «الثورة المضادة»، أعترف به وأقر بوجوده وأخشى منه على ثورة 25 يناير، ولكن لا أحب الطريقة التى نستخدمه بها الآن، أراها تشبه طريقة شماعة التحكيم وأعمال الدجل والشعوذة التى يستخدمها التوأم حسام وإبراهيم لتبرير أى فشل لهما حتى قبل أن يحدث، وتشبه فزاعة الإخوان والعنف الدينى التى استخدمها نظام مبارك لتبرير أى قمع أو قهر أو تمديد لقانون الطوارئ.
هذا التكرار الممل لمصطلح الثورة المضادة، وربطه بكل حادث سيئ أو كل خناقة تشهدها مصر، يضخمها ويعملقها وينفخها ويحولها لوحش قد يلتهم ثورة 25 يناير فى غفلة عن أصحابها الذين أصبحوا مشغولين بالتنظير للثورة المضادة، وتحليلها أكثر من انشغالهم بالحفاظ على مكاسب ثورة 25 يناير، وتميهد الطريق أمام مكاسبها لتبقى وتظل مشتعلة فى نفوس الناس.
التاريخ يقول إن الثورات المضادة تخرج من قلب الثورة نفسها، والواقع المصرى أكد ما قاله التاريخ، ألا تجد فى تلك التحركات السلفية والمظاهرات الفئوية والتحولات الإعلامية المريبة والسلوكيات الفردية والاجتماعية المنفلتة خطرا يهدد الثورة أكثر من فلول الحزب الوطنى؟، ألا تجد أصلا أن استخدام مصطلح «فلول الحزب الوطنى» وتصديره للناس كجماعة قادرة أن تهدم ثورة 25 يناير فيه شىء من الكوميديا والسذاجة والاستعباط؟!.
مجرد التصديق على حقيقة مصطلح «فلول الحزب الوطنى» هو اعتراف بأن الحزب الذى كنا نسخر من أغلبيته المفتعلة كان يملك أغلبية مخلصة له بالفعل، ومجرد الاستسلام لفكرة استخدام مصطلح الثورة المضادة لتبرير أى خطأ سيمنعنا من الوقوف أمام المرآة لمشاهدة أخطائنا، ونحن فى مرحلة أحوج ما نكون فيها إلى رؤية أخطائنا أولا بأول، حتى لا نفاجأ بمبارك آخر يجلس على كرسى الحكم.
استخدام مصطلح الثورة المضادة مع ما حدث فى مبارة الزمالك والأفريقى يدخل تحت بند كلام السطور السابقة، فهذه ليست المرة الأولى التى تشتعل فيها الملاعب المصرية ويرتوى مستطيلها الأخضر بدم الجماهير أو الحكام، وهذه ليست أول مرة يهدم فيها جماهير الأهلى أو الزمالك استاد القاهرة رأسا على عقب، ربما تكون هذه المرة هى الأشد والأكثر بلطجة، ولكن تبقى شدتها محصورة فى أن الانفلات الأمنى الذى يعيشه البلد جعل كل بلطجى يبالغ فى بلطجيته، وكل من كانت البلطجة والشغب فكرة فى رأسه تصبح حقيقة واقعة طالما لا أحد يحاسبه، ولا قانون يمنعه.
الكلام فى موقعة «الجلابية» كان يجب أن يكون عن الغياب الأمنى، كيف تم فى مبارة كبيرة مثل هذه، وإلى متى ستظل وزارة الداخلية عاجزة عن تأمين البلد؟ السؤال كان يجب أن يكون عن التوأم حسام وإبراهيم اللذين اعتمدا مبدأ الصراخ والشتيمة منهجا فى مواجهة الخصوم وتبرير فشلهم، كيف لم يحاسبهما أحد، وكيف صبر عليهما الإعلام الرياضى؟، الكلام كان يجب أن يكون عن وزارة الداخلية وتبريراتها السخيفة لعدم منع رجالها لأعمال البلطجة بأن عيار المواطن فلت، ولم يعد أحد قادرا على السيطرة عليه، وكأن وظيفتهم كانت تقتصر على التعذيب أو سماع المواطن وهو يتوسل قائلا ياباشا.
الثورة المضادة تخرج من رحم هؤلاء الانتهازيين الذين حولوا معانى الثورة إلى مجرد «لحاف سرير» يباع ويشترى فى إعلانات التليفزيون، وأغانى عبيطة وحملات تطهير لشخصيات مثل مصطفى الفقى، وفتحى سرور، والصحفى الأمنى أحمد موسى الذى ظل يرعى فى خيرات حبيب العادلى، ثم ظهر الآن لينتقده ويشتمه، وكأننا كنا لا نقرأ أو نسمع سيادته وهو يسبح بحمد وزارة الداخلية، ويدافع عنها كما لو كان يدافع عن نفسه الأخير فى الحياة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة