علينا ان ندع مائة حزب تتفتح وتخرج للحياة والفيصل هو البرنامج والاتجاه والوضوح. أصبحنا نرى ونسمع إعلانات عن عشرات الأحزاب الجديدة. التى تقدم نفسها للرأى العام، وهى إعلانات بلا ملامح واضحة حتى الآن. بعضها جاد، والبعض الآخر يفعلها على سبيل الشهرة. ولدينا أحزاب معتلة، وعجوزة، تنتمى إلى الماضى.
أحزاب على كل لون وشكل. بعضها ينسب نفسه للثورة، والبعض الآخر يرى نفسه نتاجا لها. أو من يتاجر بها. وهو أمر طبيعى بعد سنوات من العزلة. أصبحنا نرى سياسيين ورجال أعمال وثوارا، ونشطاء يعلنون عن أنفسهم.
وكثرة الأحزاب ظاهرة لا تعنى أن هناك سياسة. وقد تعنى رغبة فى العمل السياسى والمشاركة. ومن المبكر معرفة ملامح وبرامج هذه الأحزاب. وقد أصبح لدينا مرسوم أو شبه قانون يمنح الأحزاب حق الظهور، بمجرد الإخطار، ويلغى وضعا ساد سنوات، كان هناك كيان يسمى لجنة الأحزاب يعطى للحزب الوطنى الحاكم حق قبول ورفض الأحزاب. وتحديد المنافسين. اللجنة رفضت كل الأحزاب الجادة، وأطلقت أحزابا معاونة لمعارضة معارضيه. وبجانبها ظهرت أحزاب فى اليسار واليمين أصابتها لعنة التفكك والضعف. وانتهت مثلما انتهى الحزب الوطنى ويفترض أن تبحث لها عن صيغ أخرى.
مرسوم الأحزاب الجديد حدد أشياء على سبيل الحصر ومنع الميليشيات، والأحزاب على أساس دينى أو عرقى. وأوقف المعونة التى كانت الدولة تمنحها للأحزاب. لكن المرسوم لم يحدد أو يفكر فى كيفية تمويل هذه الأحزاب لأنشطتها. أو الطريقة التى يمكن بها للرأى العام مراقبة هذه الأحزاب.
وطبيعى أن أى حزب لايمكنه أن يقدم عملا سياسيا بدون تمويل. و الموارد يفترض أن تكون محل اهتمام وتفكير وجزءا من الحوار. لأن الحزب من الصعب عليه أن يمول أنشطته من الاشتراكات، وهو ما يعنى أن تكون الأحزاب الغنية هى الأقدر على ممارسة العمل السياسى. وهو أمر يخل بمبدأ تكافؤ الفرص ويفتح الباب لتوقعات غير مرغوبة. وربما يكون على كل حزب أن يبحث عن ممولين، قد تكون لهم طلبات ومصالح، تجعلهم يتدخلون فى سياسات الحزب وعلاقاته.
ويفترض أن يتضمن أى حوار مناقشة واضحة لتمويل الأحزاب وماهو مسموح أو ممنوع، ويفترض أن تعلن الأحزاب مصادر تمويلها وميزانياتها على الرأى العام، حتى يمكن ضمان الشفافية السياسية. فالمال له دور مهم فى السياسة، مما يجعل للملايين أدوارها ومطامحها. ولانقصد هنا الحوار الوطنى الحكومى، بل إن التيارات السياسية التى تدخل السياسة حديثا وعليها أن تنشغل بحوار يحدد مواثيق يمكن أن تضمن حياة سياسية وحزبية واضحة وسليمة. خاصة فى التمويل.
ولا يعنى هذا أن يكون هناك تدخل حكومى أو من أى جهة إدارية، بل يفترض أن يكون القضاء هو الحكم.
وإذا كنا نركز على تمويل الأحزاب، فهذا لأن السياسة تختلف عن الحلم.السياسة مصالح وصراعات، وفى حال غياب آليات لضبط التمويل لن نرى أحزابا مجهولة التمويل، تتداخل مصادر تمويلها مع جهات غير معلومة.
ولا أحد يمكنه التشكيك فى وطنية أى من هذه الأحزاب، لكن الاحتياط واجب، والشفافية مطلوبة، إذا كنا نتحدث عن حياة ديمقراطية ومنافسة سياسية مشروعة تضمن تكافؤ الفرص وتسد أى ابواب تأتى منها الريح.
ولدينا تجربة العراق بعد الغزو الأمريكى، حيث شهدت مئات الأحزاب والقنوات الفضائية والصحف، كانت بعضها تابعة لجهات وأجهزة انتهت إلى أن تتحول إلى ميليشيات متصارعة تتقاتل سرا وعلنا، دون أن تقدم تجربة سياسية أو تخدم الديمقراطية. فإذا استطعنا أن نعرف من أين وكيف نمول الأحزاب، يمكن تصور شكل المستقبل وهى أسئلة مشروعة. من أجل المستقبل.