ثمة شعور مشترك يسود أفئدة الكثيرين فى مصر بالخوف والإحباط، أحاسيس أن الثورة تتسرب من بين أيدينا شيئا فشيئا، وكأننا نعود القهقرى إلى نقطة الصفر مرة أخرى، بأسماء جديدة وهيئات أخرى ملتبسة، لم تكن تلك المشاعر الصادمة وليدة الفجأة لكنها بقيت ككرة الثلج تكبُر شيئا فشيئا منذ تصدر المشهد أصحاب ياقات ناصعة البياض وأربطة عنق زاهية بعلاقات مشبوهة بدوائر إعلامية اضطلعت بدور خبيث فى «تلميع» من كانوا يقفون فى مرحلة «الشك والريبة» حتى قبيل أن يسقط الصنم أزاحوا الستارة ووقفوا على خشبة المسرح يؤدون دورا لا يستحقونه فى البطولة يتحدثون حديث الثوار، وينتظمون فى مجالس ائتلافية متنوعة للثورة.
من جملة المشاهد مشهد لا تخطئه العين «مصريون بخلفية أمريكانية» يطلون على خشبة المسرح يتفرغون لأداء أدوار باهتة فى حقيقتها لكنها بالغة الخطورة على الجماعة الوطنية لأنها تؤدى على شاشة التلفاز, ثالوث متأمرك هبطوا فجأة وبقوا هنا فى بلادنا بعد أن هجروها طويلا وتحول فكرهم وطريقة التفكير لديهم على قاعدة «مراكز الأبحاث» الأمريكية فى الطرح والمعطيات وبالتالى النتائج لن تكون صحيحة فى منهجهم، أحدهم ُرشح للوزارة فى حكومة الثورة؟ صحيح لا نعرف من رشحه ولم؟ وربما فشلت الخطة فتوجه مع نسيج متأمرك لصناعة حزب لا لون له ولا طعم ولا علاقة له بمصرنا التى نعرفها، الثانى متقلب المزاج من شاشة إلى أختها يلعب دورا خيوطه هناك فى بلاد العم سام، وأظن ثالثهم تحوطه شبهات التورط فى القبض على قادة بارزين فى تنظيم القاعدة ومد الاستخبارات الأمريكية بمعلومات حولهم ولو بصورة غير مباشرة ورغم أنهم لا ينتظمون فى وعاء واحد لكن الخلفية واضحة.
يبدو غريبا أن ثورة قامت لتودى بنظام حكم تقتلعه من جذوره ينحاز الجيش لها ويؤمن ظهرها، ثم هى عاجزة عن محاسبة الحاكم الذى اقتلعته من سدة الحكم.. عاجزة عن مساءلة أبنائه رغم توفر قدر هائل من المعلومات عن الفساد والتربح على حساب المال العام، عاجزة عن مساءلة كبار معاونيه!! ما هذه الثورة التى لا تحكم؟ ولا تقدر على تنفيذ مطالبها !! وقديما قالوا أنصاف الثورات أكفان للشعوب، ثورة تقتلع نظام الحكم ويبقى حزبه ينظم صفوفه!! ولا يصدر قرار بحله ومنع قيادته من التجمع ومعاودة إحيائه من جديد!!
عجيب أمر هذا الرجل الذى تقلد الحكم على كبر، كنت أسمع ما يتردد عن مواصفات «عبده مشتاق» تلك الشخصية العبقرية التى صاغها بعناية العبقرى أحمد رجب ورسمها بريشته مصطفى حسين، حتى وجدت «الجمل»، هاتف كل من هب ودب أنه مكلف بتشكيل الوزارة!! وأنه أُنيط به منصب نائب رئيس الوزراء!! قالها قبل أن يُعلن تشكيل الوزارة فبدا ذلك خروجا على المألوف فى تشكيل الحكومات والمشاورات التى تجرى مع رئيس الوزارة المكلف. بدا أن «الجمل» وجد من يستلطف ظله وروحه وعطاءه داخل سدة الحكم، فأُسندت إليه مهمات أكبر وأثقل من سنوات عمره، متعه الله بالصحة والعافية، وهى الإشراف على المجلس الأعلى للصحافة ويختار من شاء وفق أجندته لترؤس المؤسسات الصحفية، صحيح لا ننكر أن كثيرا منها جاء معقولا مقبولا، لكن الضوابط شخصية وليست موضوعية، ويتحدث أكثر مما يعمل على الأقل وفق حالته الصحية، يظهر فى كل البرامج تقريبا ومن كثر كلامه قل عمله وكثر سقطه، لذلك وقع فى المحظور وهو يتفكه فيتحدث عن الذات الإلهية بما لا يليق ويدعو قائمة طويلة إلى الحوار الوطنى بذات المواصفات الشخصية فتزمجر الأحزاب وكثير من الرموز والشخصيات العامة.. خطورة تصريحات يحيى الجمل أنها تتحول إلى أفعال، الرجل يتحدث فى أمور بالغة الخطورة باستهتار عجيب، يبدو ذلك واضحا فى تناوله لما يتردد حول المادة الثانية من الدستور وحذف الألف واللام فتصبح مصدرا بدلا من المصدر، لا يعرف هذا الرجل أن هذه السطحية واللامبالاة التى يتحدث بها يمكن أن تُحول الوطن إلى حطام وتفتح أبوابا يصعُب غلقها وتنثر نيرانا تشتعل فى قلب الوطن، لا أعرف دوره بشكل واضح فى استصدار قانون مشبوه يُجرم المظاهرات بعقوبات مُغلظة، لم يجرؤ على فعلها الرئيس المخلوع حسنى مبارك، غير أن ما يزيد الهواجس حول دوره كونه ربيب الاستبداد والقهر فى الجمهورية الناصرية وبداية الجمهورية الساداتية حيث عمل وزيرا، أظن وليس كل الظن إثما أن جينات فكره تستوعب الاستبداد والقمع، ولم يكن بعيدا عن مربع النظام المندحر، صحيح أنهم لم يستوزروه لكن علاقاته كانت وثيقة برموزه وسدنته، عليه أن يدرك أن البلد ليس بلده لوحده، وأن الثورة لها أب وأصحاب وقادة وشباب لم يكن هو واحدا منهم، ومن ثم فلا يطلق العنان لأفكاره الخاصة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة