قلنا بالأمس إننا لسنا ضد التيار السلفى، بل نحن ضد كل من يحاول استبعاده من خريطة الحياة السياسية والاجتماعية، لأن الثورة قامت لكى تمنح الكل فرص متساوية للتواجد والانتشار مع الوضع فى الإعتبار أن تلك الفرص ممنوحه لأهل الحوار لا لأهل العنف، وقلنا إننا لا نريد من التيار السلفى الذى يحتل صدارة مشهد الجدل فى مصر الأن سوى أن يلتزم بالعهد القائم على احترام العقائد الدينية والحريات الشخصية ورأى الأغلبية وفكرة تداول السلطة هذا هو مانريده من التيار السلفى، ومن أى تيار آخر قرر أن يصبح جزءا من الحياة السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير، أما لماذا التركيز على التيار السلفى وحده؟، فالأمر ببساطة يتعلق بفكرة إعلان التيارات الإسلامية المختلفة خوضها غمار اللعبة الحزبية، ويتعلق بما أثاره مشايخ السلف ورجال التيار السلفى من قلق ومشاكل وتصريحات صاخبة خلال الفترة القليلة الماضية، ولأن هذا الظهور السلفى إلى النور قد يبدو غريبا بعض الشئ على فئة كبيرة من أبناء الشارع المصرى، بشكل أثمر عن عدد من الأسئلة والاستفسارات حول ماهية التيار السلفى، والدعوة السلفية، ومن يعبر عنها داخل مصر، وأشهر أفكارها، وهو الأمر الذى سنكتفى بتقديمه هنا مجردا من أى تعليق ومن أى رأى حتى يعرف الشارع المصرى طبيعة التشكيل السلفى الموجود على الأرض المصرية بجماعاته وأفكاره المختلفة،ولكن دعنا نسبق ذلك بملاحظتين عابرتين أرشحهما لكى تتفكر وتتدبر فيهما بعدما تنتهى من هذا الموجز السريع عن طبيعة الوجود السلفى فى مصر.
الملاحظة الأولى تتعلق بأن التيار السلفى وجماعاته المختلفة يعانون من نفس المشكلة التقليدية والأزلية لكافة التيارات السياسية والدينية فى مصر وهى ادعاء الحقيقية المطلقة وتشويه كل ماهو تابع للاخر، ورفع راية النقل فوق راية العقل، والملاحظة الثانية تتعلق أيضا شكلة ازلية أخرى هى الفرق بين النظرية والتطبيق أو بين ما هو مكتوب فى الورق وما يتم تنفيذه على أرض الواقع، فما هو موجود فى أغلب كتب مشايخ السلف وخطبهم العلنية يختلف كثيرا عن ما نراه فى الواقع، وهو ماسوف يتضح لك من خلال العرض التالى.
القطب السلفى الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ومعه الشيخ أبو إسحاق يعرفون الدعوة السلفية بأنها دعوة الكتاب والسنة، والدين الصحيح والإسلام النقى، وهى اتباع سبيل المؤمنين من السلف الصالح الذين هم الصدر الأول الراسخون فى العلم، المهتدون بهدى النبى صلى الله عليه وسلم ، الحافظون لسنته ،اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، وانتخبهم لإقامة دينه، ورضيهم أئمة الأمة، فجاهدوا فى سبيل الله حق جهاده، وأفرغوا جهدهم فى نصح الأمة ونفعها، والسلفيون فى كل عصر هم الفئة الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: [لا تزال طائفة من أمتى على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتى أمر الله وهم كذلك] (أخرجه مسلم عن ثوبان).
هذه التسمية اختصار لتعريف مطول فالقول إن فلانا سلفى يعنى أنه ليس خارجياً مستحلاً دم المسلم بالمعصية، وليس رافضياً ممن يكفر الصحابة، وليس محرفاً متأولاً بالباطل ممن ينفى صفات الله ويحرف معانيها، وليس مشبهاً لله بخلقه وليس حلولياً أو اتحادياً ممن يقول بالوحدة أو الحلول، وليس صوفياً، وليس قبورياً ممن يعبد القبور ويقدم لها النذور، وليس مقلداً متعصباً ممن يلتزم قول إمام بعينه ولو علم أنه يخالف الآية والحديث..
وفى موضع آخر يكمل التعريف الدكتور احمد فريد قائلا: النبى صلى الله عليه وسلم بشر بأن طائفة من الأمة لا تزال ظاهرة على الحق، ترفع راية السنة وتدعو إلى الفهم الصحيح، للكتاب والسنة، وأن هذه الطائفة تبقى فى كل عصر، تقيم الحجة على أهل عصرها حتى يأتى أمر الله وهم كذلك، فأهل السنة ظهورهم إما ظهور كامل ظهور حكم وسلطان، وسيف وسنان وأدنى الظهور كما قلنا ظهور الحجة والبيان: فلابد أن يبقى أناس يرفعون راية السنة، ويَذُبُّونَ عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدافعون عن معتقد ومنهج أهل السنة والجماعة.
فليس المقصود بالجماعة: أى جماعة فى أى زمان أو فى أى مكان، ولكن المقصود: أن تكون على شاكلة الجماعة الأولى التى أشار إليها النبى صلى الله عليه وسلم عندما قال: "كلهم فى النار إلا واحدة، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعة".
فلا يكفى اسم الإسلام حتى تكون من الناجحين يوم القيامة، لأن الأمة كما قلنا تفرقت إلى ثلاث وسبعين فرقة، فلابد أن تكون مسلماً على معتقد أهل السنة والجماعة، وعلى فهم أهل السنة والجماعة للكتاب والسنة، وعلى منهج أهل السنة، ثم وضع الدكتور فريد ثلاثة قواعد واضحه للمنهج السلفى هى:
1- تقديم النقل على العقل
2- رفض التأويل الكلامى
3- كثرة الاستدلال بالآيات والأحاديث
وبنفس الإيجاز نمر مرورا سريعا على الخريطة السلفية فى مصر، فالتيار السلفى ليس جماعة واحدة أو صوتا واحدا بل هو عباءة فضفاضة تتضمن عددا متنوعا من الرؤى والأفكار، وتحت هذا العنوان العريض "الدعوة السلفية" تندمج جماعات مثل
جماعة أنصار السنة المحمدية التى تأسست على يد الشيخ محمد حامد الفقى وحظيت بالأنصار والانتشار وظهرت بشكل إدارى واضح حرص الرجل على أن يكون قويا ومتماسكا فوضع لها قانونا خاصا وكون لها إدارات بشكل ساعده على مضاعفة عدد أنصاره فى وقت قليل، وبعد وفاته وفى عام 1969 أدمجت الحكومة المصرية جماعة أنصار السنة فى الجمعية الشرعية، واستمرت على هذا الحال حتى جاء عام 1972، حتى أعيد إشهارها مرة أخرى على يد الشيخ رشاد الشافعى لتعود إلى الانتشار فى المحافظات لتصل ملحقاتها تقريبيا إلى حوالى 100 فرع وأكثر من 1000 مسجد، ومن أشهر شيوخ أنصار السنة الشيخ محمد حامد الفقى و عبد الرحمن الوكيل و رشاد و الشيخ عبد الرزاق حمزة والشيخ أبو الوفا درويش رئيس فرع الجماعة بسوهاج، والدكتور محمد خليل هراس والشيخ عبد الظاهر أبو السمح مؤسس ومدير دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.
ومن أشهر أفكار جماعة أنصار السنة الدعوة إلى مجانبة البدع والخرافات ومحدثات الأمور، كما تدعو إلى أن الإسلام دين ودولة، وعبادة وحكم، وصالح لكل زمان ومكان، ومن ثم يجب الدعوة إلى إقامة المجتمع المسلم، والحكم بما أنزل الله، فكل شرع غيره فى أى شأن من شؤون الحياة معتد عليه سبحانه، منازع إياه فى حقوقه، وتعتقد الجماعة أن النظام الديمقراطى نظام كافر؛ لأنه يعطى الإنسان حق التشريع الذى هو حق خالص لله، وأن نظام الإسلام له ذاتية خاصة، فليس له علاقة بالنظم الغربية الحديثة، لكن الجماعة ترى أن الانتخابات بالترشيح وبالتصويت وسائل جائزة فى حد ذاتها؛ لأن مزاحمة أهل الديمقراطية لتقليل شرهم فى الانتخابات العامة وغيرها أمر جائز، مع مراعاة الضوابط الشرعية إذا ترجحت المصالح على المفاسد، وقد شهدت الجماعة مؤخرا صراعا بسبب صدور كتاب للشيخ عادل السيد بعنوان: (الحاكمية والسياسة الشرعية عند علماء أنصار السنة) اتهم فيه السلفية السياسية ودعاة المدرسة السكندرية وحتى السلفية الجهادية باختراق المنهج العقائدى لأنصار السنة مستغلين الظرف السياسى المحلى والدولى الذى تمر به البلاد لتشويه سمعة السلفية الحقيقية، من خلال تداخل السياسى بالعقائدى بين المنتمين لجماعة أنصار السنة.
جماعة أخرى تحت مظلة التيار السلفى هى الدعوة السلفية التى تشكلت على يد مجموعة فى الأسكندرية على رأسهم محمد إسماعيل المقدم وأسسوا جماعتهم تأثر بالمنهج السلفى السعودى، ودخلت هذه المجموعة فى صراع شهير على الطلبة داخل الجامعات مع الإخوان المسلمين وصل إلى قمته فى أوائل الثمانينيات مما دفع تلك المجموعة السلفية إلى تكوين مجموعة عرفت باسم باتحاد الدعاة، تطورت وأخذت بعد ذلك اسم (المدرسة السلفية)، وأصبح محمد عبد الفتاح أبو إدريس هو رأس هذه المدرسة أسوة بالمدارس العلمية التى كانت قائمة فى عصور الازدهار فى التاريخ الإسلامى، ورفضوا لفظ الأمير، لاعتبارهم أنه يقتصر على إمارة الدولة.
وبعد عدة سنوات من العمل الحركى والجماهيرى أطلقوا على منظمتهم (الدعوة السلفية) وحققوا انتشار كبير فى الأقاليم، ولكن بقيت الإسكندرية هى المقر الرئيسى وصاحب الأغلبيية ومن أشهر شيوخها الدكتور أحمد فريد والشيخ ياسر البرهامى وأبو إسحاق الحوينى والشيخ محمد حسان ومحمد حسين يعقوب، ومن أهم أفكارهم أن السلفية لا تتعارض مع التقدم؛ لأن التقدم فى الإسلام تقدم أخلاقى يمضى قدما فى تحقيق رسالة الأمة، مع الأخذ بأسباب العمران المادى فى نواحى الحياة كلها، وأن المفهوم الإسلامى للحضارة أرقى بكثير من التصور الغربى، ويأخذ تغيير المجتمع أربع مراحل لدى تلك الجماعة تبدأ بتصفية العقائد من كل ماهو مخالف للشريعة، ثم تربية الفرد المسلم بشكل سليم ونشر الفكر السلفى، حتى تأتى مرحلة التمكين دون انتخاب أو انقلاب، ثم تأتى مرحلة المفاصلة حيث يعلن المؤمنون انفصالهم عن الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله، ويعلنون أن هؤلاء الحكام على باطل، وينذرون الحكام وأعوانهم بالرجوع عن باطلهم، ثم تأتى مرحلة الجهاد فى حالة إذا ما رفض الحكام الالتزام بالإسلام بعد الإنذار السابق فحينئذ يجاهدهم أهل الحق؛ لأن الصفوف فى هذه الحالة ستكون قد تمايزت، فصار بعض الشعب مع الحق وبعضه مع الباطل.
جماعة أخرى تندرج تحت مظلة التيار السلفى هى "السلفية المدخلية" التى تعتبر إمتداد
للتيار السلفى المدخلى فى المملكة العربية السعودية، وهو تيار ظهر حرب الخليج الثانية 1991كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات الأجنبية كالإخوان والسرورية، وتكونت مرجعية سلفية تتمترس فى أدلة من القرآن والسنة ويعرفون بـ"الجامية" نسبة لمحمد أمان الجامى الإثيوبى الأصل، وهو المؤسس الحقيقى لهذا التيار، ويلقبون أيضا بـ"المدخلية" نسبة إلى ربيع بن هادى المدخلى وهو أحد رموز هذا التيار فى المملكة العربية السعودية. ومن أشهر شيوخها فى مصر محمود لطفى عامر وأسامة القوصى ورغم عدم انتشار أفكاره بشكل مكثف فى مصر إلا أن أشهر أفكاره عدم يجوز معارضة الحاكم مطلقا، ولا حتى إبداء النصيحة له فى العلن، ويعتبر المداخلة أن الحكم بما أنزل الله أمر فرعي، وليس أصلا من أصول العقيدة، وبذلك فإن من يحكم بغير ما أنزل الله ويشرع القوانين الوضعية لا يكون قد ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام بأى حال من الأحول.
جماعة أخرى تحت مظلة التيار السلفى هى "السلفية الحركية" شكلها مجموعة من الشباب فى حى شبرا تزامنا مع نشأة الدعوة السلفية فى الإسكندرية ومن أهم رموزه الشيخ فوزى السعيد. والشيخ نشأت إبراهيم والدكتور محمد عبد المقصود، وتتشابه أفكارهم مع "الدعوة السلفية" بل ويسبقونهم فى عدم الاكتفاء بتكفير الحاكم حكما فقط، ويذهبون إلى تكفيره عينيا إذا لم يحكم بما أنزل الله، كما يعتقدون أن مظاهر المجتمعات الإسلامية الآن من تبرج وسفور ومعاص كلها من أمور الجاهلية، لكن لا يكفر بها.
جماعة أخرى تحت مظلة التيار السلفى هى "الجمعية الشرعية" التى أسسها محمود خطاب السبكى عام 1912 تحت اسم "الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمديةلمواجهة الإستعمار ومحاولات تغريب العقل المصرى الإسلامى وتنتشر فروع الجمعية فى جميع المحافظات تقريبا تملك ما يزيد عن 355 فرع ورئيسها حاليا هو الدكتور الأزهرى محمد المختار محمد المهدى، ومن أشهر رموزها الشيخ عبد اللطيف مشتهرى والشيخ فؤاد مخيمر، تبدو أفكار تلك الجماعة خدمية وتبدأ بالتعليم عن طريق فتح الكتاتيب لتحفيظ القرآن، وإنشاء المساجد، وإنشاء المستشفيات لمعالجة الفقراء، وتحقيق مبدأ التضامن الاجتماعى من خلال رؤية إسلامية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
Ashrasf
والله غالب علي امره ولكن اكثر الناس لايعلمون