الفوضى المضادة أخطر من الثورة المضادة

الخميس، 07 أبريل 2011 10:48 م
الفوضى المضادة أخطر من الثورة المضادة ضرب وشوم فى إستاد القاهرة
أكرم القصاص - تصوير : عصام الشامى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄بلطجية الملاعب وبلطجية الشوارع والتوك توك يعتدون على القانون ويقاومون عودة الأمن
◄◄الفقراء والمرضى كانوا ضحايا النظام السابق ومازالوا ينتظرون مكاناً فى الحوار الوطنى
◄◄الشك بين التيارات السياسية يحجب الرؤية ويجعل من الصعب إنتاج دستور محترم
◄◄الكبد الوبائى أخطر على أمن الدولة من المخططات الخارجية


كان مشهد إستاد القاهرة مساء السبت مثالا للفوضى والثورة المضادة فعلا، عنف بلا عقل ولا رابط يهب فجأة، مستغلا غياب الأمن أو تراجعه، هذه الفوضى تجدد الحديث عن الثورة المضادة.. البعض يطلقها على فلول النظام السابق أو الحزب الوطنى، لكن هناك أيضا جماعات تعمل لتخريب البلد والاعتداء على القانون، وتحرص على أن تكون هناك فوضى تشكك فى جهود الثورة والحكومة. فوضى نلمحها فى إصرار فئات كثيرة على مخالفة القانون، وتجاوز القواعد فى المجتمع والشارع من بلطجية يروعون الآمنين، يسرقون ويقتلون ويعتدون على الناس فى الشوارع والطرقات، فوضى يريدها تجار السلاح الذين يبيعون أدوات القتل علنا فى ميكروباصات وسيارات نقل تمارس البلطجة فى الطرقات الداخلية والسريعة، وتوك توك يسير بلا ضوابط فى كل الشوارع والميادين، كل هؤلاء يقاومون عودة الأمن لأنهم يتحالفون مع فلول النظام السابق فى إشاعة الفوضى ليحققوا نبوءات فاسدة.
فى المقابل لاتزال فئات كثيرة تعانى الفقر، ولا تجد من يساندها، عمال موسميون فقدوا أعمالهم، وهناك فى العشوائيات والمقابر من لا يجدون من يغيثهم، ومستشفيات لاتزال تعجز عن علاج المرضى، ومئات الآلاف منهم يعانون من أمراض مستعصية أو خطيرة تهدد حياتهم وأمنهم. لقد قامت الثورة لتمنح الناس الحرية والعدل من نظام متسلط، والآن نجد من يوظف الحرية للاعتداء على الآخرين وعلى المجتمع، وهناك شكوك متبادلة بين القوى السياسية تجعل من الصعب التوصل إلى شكل المستقبل سياسيا ودستوريا.

فلول الملاعب
ما جرى مساء السبت الماضى فى استاد القاهرة عندما اقتحمت أعداد كبيرة من جماهير الزمالك ملعب الاستاد فى الدقائق الأخيرة من مباراة الزمالك والأفريقى التونسى، وتعدوا على الحكم الجزائرى محمد مكنوز ولاعبى الأفريقى، وسط غياب أمنى كامل.
جماهير الزمالك نفسها تبرأت من الهجوم الذى تجاوز الحدود، ونظمه بلطجية استغلوا الوضع الأمنى لممارسة الفوضى والاعتداء على الأشقاء التوانسة فى الملعب والحكم بما يسىء إلى صورة مصر بعد ثورة يناير التى كانت فى الأخلاق والاحترام.
كنا ننتقد تركيز النظام السابق على تصعيد المشاعر فى تشجيع الكرة، والمبالغة فى شحن الجمهور فى المباريات، لتتحول إلى أداة لشغل المواطنين، ورأينا كيف قدم حتى مشجعو الملاعب دروسا أثناء الثورة، وهو ما يشير إلى أن ما جرى ليلة السبت مقصود للإساءة إلى الشعب المصرى، وخلق فوضى دفعت عددا من الرياضيين للتفكير فى إلغاء الدورى. من يا ترى يستفيد من فوضى الملاعب غير الثورة المضادة وتجار الفوضى.
وقد سارعت أعداد كبيرة من الشباب المصرى إلى إطلاق صفحات على الفيس بوك تقدم فيها الاعتذار للشعب التونسى الذى سبقنا للثورة، ويحلم مثلنا ببناء دولته الديمقراطية، فنشأت مجموعة«إحنا آسفين يا تونس« أكدوا فيها أن التقارب بين الشعبين الشقيقين بعد ثورتيهما يفترض أن ينهى هذا التعصب الأعمى، ويفتح صفحة جديدة بين الشعبين المصرى والتونسى لا تكدرها مباريات. وانتبه المصريون إلى أن وراء الأحداث صناع الفوضى ممن يريدون إلهاء الناس فى تفاهات، وحسنا فعلت الحكومة أن اعتذرت للشعب التونسى، وحسنا فعل شباب الثورة الذى قدم اعتذاره للتونسيين ليمحو ما فعلته ثورة مضادة تريدها فوضى.

الوضع الفوضوى للتوك توك
التوك توك فى الزمالك، فى المعادى، فى مصر الجديدة، فى قصر النيل، فى الشوارع الرئيسية، فى كل مكان، لا أحد يمكنه إيقاف التوك توك الذى أصبح يمثل مشكلة مرورية وأمنية، يظهر فى الشوارع الرئيسية والطرقات السريعة بدون ضوابط، ويرفض سائقوه الالتزام بالقانون. خلال الأسابيع الأخيرة كان التوك توك يسير فى الأحياء والشوارع الرئيسية بالقاهرة والمدن الكبرى، كان هناك قانون يمنع سير التوك توك فى الأحياء، ويقصره على المناطق النائية والشوارع الضيقة التى لا تصلها المواصلات. هذا القانون تعطل من طرف واحد مثل كل قوانين المرور بالنسبة للميكروباص.
النظام السابق سمح باستيراد التوك توك وتصنيعه وبيعه، ثم عارض ترخيصه فى أماكن، ورخصه فى أخرى.
الآن التوك توك يسير فى الأحياء ووسط الزحام، وعند سؤاله يقول إنه ثورة وحرية، وهو أسوأ استغلال للحرية وللثورة، لأنه يدفع نحو الفوضى التى خرجت الثورة لتقضى عليها. أصبح التوك توك يسيطر على الطريق الزراعى والصحراوى، ويتسبب فى تعطيل المرور والحوادث، ويستغله بعض الخارجين على القانون فى أعمال البلطجة والسرقة. ويفترض أن تبحث الحكومة ضمن سياساتها عن حل نهائى للتوك توك الذى بدلا من أن يكون حلا لمشكلة أصبح أخطر مشكلة. من حق سائقى التوك توك أن يكون لهم مكان وعمل يتكسبون منه، بشرط أن تحدد لهم حقوق وواجبات، حتى لا يتحول التوك توك إلى فوضى تخدم الثورة المضادة.

البلطجية وتجار السلاح.. الفوضى المضادة
صناعة الفوضى تحولت إلى علم، وغياب الأمن لغز يستمر بمطالب من كبار الخارجين على القانون. البلطجية وتجار السلاح والمخدرات يريدون استمرار الغياب الأمنى عن الشوارع، الشعب يطالب بعودة الشرطة والتزامها بالقانون، والثورة كذلك، لكن البلطجية وتجار السلاح والمخدرات يرفضون عودة الأمن، ومعهم بالطبع فريق صناعة الفوضى، حيث أصبحنا نشاهد تجار السلاح يروّجون بضاعتهم علنا، ويتحالفون مع البلطجية فى ترويج هذه التجارة فى أماكن بالقاهرة والجيزة والصعيد. أصبحت المسدسات والبنادق الآلى والسنج والمطاوى تباع علنا، ومن مصلحة هؤلاء أن يبقى الأمن غائبا، وأن تستمر حالة الترويع، ونرى البلطجية وراكبى الموتوسيكلات الصينى يمارسون بلطجتهم فى الشوارع والأماكن المتطرفة والطرق السريعة والدائرية، وفى الضواحى التى لايزال الأمن غائبا عنها، كما تقع حوادث قتل وسرقة بالإكراه، وتزايدت حوادث الاغتصاب والترويع، الأمر الذى يحتاج إلى مواجهة حاسمة بالقانون، خاصة أن المحاكمات والأحكام الرادعة لا تبدو أنها كافية، كما أن إفلات المجرمين بجرائمهم وبعدهم عن الحساب يشجع آخرين على ارتكاب جرائمهم، لينضموا إلى صناع الفوضى المضادة.

التعصب والطائفية المضادة
الفوضى هى المجال الذى تنمو فيه البلطجة، ويفضله اللصوص والخارجون على القانون، لكن هناك تيارات وفئات تمارس الفوضى وتسعى إليها من خلال ممارسة نوع من البلطجة الفكرية والفعلية بزعم تطبيق حدود أو فرض الرأى بالقوة، وقد رأينا خلال الشهرين الماضيين نماذج لمنتمين للتيارات الإسلامية، وهى تعتدى على كنيسة أو تسعى لهدم الأضرحة بدعوى مخالفاتها لأفكار السلف. صحيح أن هؤلاء يتراجعون أمام الغضب الشعبى، لكنهم ما زالوا يمثلون اتجاها لا يدرك أخطار هذا على خلق نيران طائفية، أو الدفع بالبلد إلى الفوضى.
بعض المنتمين للتيار السلفى- ونقول البعض- ارتكب أفعالا تدخل فى دائرة الجرائم التى تستحق تحقيقا وعقابا للمخطئين بحسم وبدون تردد، أو اعتماد على الحلول العرفية والجلسات الشعبية، لأنهم يرفضون الحوار، وعدم عقابهم يشجعهم وغيرهم على تكرار الجرائم التى تقود إلى الفوضى التى تضر بالبلد وبالثورة وبالحرية. وفى حال تصاعد البلطجة الفكرية والدينية يمكن أن تتحول مصر إلى كانتونات أو ميليشيات تهدد وحدة البلد واستقراره، وعلى هؤلاء أن يستوعبوا أن الديمقراطية والحرية تعنيان حرية الجميع، واحترام القانون والمجتمع والعقائد، وليس محاولة فرض الرأى بالقوة.

أمن الفقراء هو أمن الدولة
إذا كنا نتحدث عن تيارات كثيرة تدعم الفوضى والثورة المضادة وتكره الثورة والقانون، فإننا نرى فى الأفق قطاعات واسعة من الشعب المصرى ممن كانوا يعانون الفقر والمرض، ويعجزون عن الوصول إلى العلاج المناسب. ما يقرب من نصف المصريين يعيشون فى العشوائيات والمقابر والقرى والأحياء الفقيرة، والهابطون من الطبقة الوسطى، هؤلاء جميعا ما زالوا يأملون فى أن تنقذهم الأحوال الجديدة، ويشعرون بنتاج الحرية التى حصل عليها المجتمع، وأن يكونوا جزءا من الحوار الدائر عن المستقبل. لدينا مايقرب من 20 مليونا تحت خطوط الفقر كان النظام السابق يهملهم ويتذكرهم فى الانتخابات والوعود الوهمية، وهناك ما يقرب من 30 مليونا آخرين حول خطوط الفقر يعانون البطالة والعجز، وتأكلهم أمراض الكبد الوبائى والفشل الكلوى التى تمثل تهديدا لأمن الدولة أكثر مما يفعل الجواسيس والجهات الخارجية. لقد رأينا جدلا طوال العامين الأخيرين حول العلاج على نفقة الدولة، وكيف كانت تُجرى تجارة بالمرضى والقرارات بواسطة نواب بالبرلمان أو قيادات بالوزارة، وكان الوزراء والمسؤولون يسافرون للعلاج من الأنفلونزا بينما «تفاصل» وزارة الصحة المرضى فى مرضهم وحقهم فى العلاج. لدينا عشرة ملايين مصاب بالفيروس الكبدى سى، حسب إحصاءات الحكومات السابقة، وهى أرقام تقل عن التقديرات الشعبية أو التى أصدرتها مؤسسات مستقلة. لدينا 5 ملايين أسرة من الفلاحين يشكلون ما يقرب من نصف المجتمع، و3 ملايين عامل يومية بالزراعة، وحوالى مليونى عامل باليومية فى البناء والترحيلة، كل هؤلاء لا يزالون يواجهون الفقر والمرض، وينتظرون أن تتذكرهم الحكومة والحوار الوطنى، وأن يعرفوا ماذا سيقدم لهم الدستور والقانون والتغيير، يؤمنون بالثورة ويؤيدونها، لكن ضيق ذات اليد يجعلهم عرضة للتأثير والخوف واليأس أحيانا.
هؤلاء هم من كانوا ينتحرون يأسا أو قنوطا، هم الجزء الأوسع من الشعب، وهم الأكثرية ضمن الأغلبية الصامتة التى تشكل رمانة الميزان فى أى انتخابات، ويفترض أن تسعى النخبة لضمان حرية إرادتهم ليكونوا إضافة إلى المستقبل، وليس خصما من المجتمع.

احتجاجات حق.. واحتجاجات باطل
استمرت ولاتزال الاحتجاجات الاجتماعية لعمال وموظفين وإعلاميين وأطباء، كل منهم له مطالب، بعضها التزم السلمية، وبعضها خرج على القانون ولجأ للعنف، الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عصام شرف طلبت وقتا، الدكتور شرف قدم وعودا، وكان يلتقى بنفسه مع المحتجين، واكتشف أنه لو تفرغ لمقابلة كل المحتجين ما وجد الوقت والجهد لإنجاز أى شىء، أناب عنه بعض معاونيه للقاء المحتجين ودراسة مطالبهم، طلاب الجامعات خرجوا ليطالبوا بإبعاد عمداء الكليات الفاسدين ورؤساء الجامعات القادمين من باب الولاء وتقارير الأمن. الحكومة رأت تأجيل البت فى مصير العمداء ورؤساء الجامعات إلى نهاية العام حتى لا يتعطل العام الدراسى، وهو رأى له وجاهته، لكن الحكومة لم توصل هذا الرأى إلى الطلاب. الحكومة سارعت بالترويج لقرار يصادر الاحتجاجات، ويعاقب من يخرج للتظاهر، الحكومة شرحت وجهة نظرها بأن القانون يعاقب فقط من يعطل الإنتاج أو يقطع الطريق، وأن مثل هذه القوانين موجودة فى دول ديمقراطية، القرار واجه معارضة وصلت إلى حد التشكيك فى نية عصام شرف، بل فى المجلس العسكرى. قالوا إنه يحاول مصادرة حق التحرير فى التظاهر. حالة من الشك والخوف أصبحت تنتاب كل التيارات من بعضها وحلفائها وخصومها ومنافسيها، شك يجعل من الصعب على طرف أن يستمع للطرف الآخر دون أن يتهمه، هناك بعض الاحتجاجات حقيقية والأخرى مصطنعة، لكن الأمر يحتاج إلى الصبر والتفاهم وإعمال القانون الذى يبدو أنه يغيب فى الزحام والضجيج. على الحكومة أن تواجه البلطجة والطائفية بحسم وبالقانون قبل أن تطلب وقف الاحتجاجات، وعلى المحتجين أن يتمسكوا بالصبر، والاعتراف بحجم الحمل الملقى على كاهل المجلس العسكرى والحكومة، حتى يمكن تخطى الفوضى والتمييز بين الفوضى والقانون.

الشك.. والدستور والقانون والمستقبل
بعد الانتهاء من مواجهة الفوضى وفرض القانون، يكون الحوار حول الدستور المطلوب والقوانين المطلوبة والأحزاب والائتلافات التى تأتى بعد أن يكون الأمر قد استقر، وأصبح المجال صالحا لإقامة عمل ديمقراطى، لأنه مع استمرار البلطجة وغياب الأمن وانتشار الاعتداء على القانون وغياب الأمن والتشكيك فى المجلس الأعلى والخلط بينه وبين الجيش كمؤسسة وطنية محترمة تحرس الدستور والدولة-يمكن أن تجعل من الصعب التوصل إلى نتائج وحوار يؤدى إلى ديمقراطية حقيقية.
المصريون يتطلعون نحو المستقبل، ويطالبون بتطبيق القانون فى مكانه حتى يمكنهم بناء دولة العدل والمساواة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة