يقال إن الرئيس السابق حسنى مبارك كان يركب طائرته مع أسرته فقال لهم: "سوف أرمى ورقة بمائة جنيه لتصل إلى واحد من المصريين وتسعده هو وأسرته"، فقالت له الهانم (سابقا): "خليهم وورقتين بخمسين جنيه واسعد أسرتين".. فرد جمال: "خليهم عشرينات واسعد خمس أسر".. فرد الطيار من الكابينة قائلا: "ارمى نفسك يا ريس واسعد الشعب كله".. وأنا لا أعرف من هو قائد طيارة البلد الآن لنسأله عن سعادة الشعب المصرى كله.. فالموقف أشبه بأن تحاكم سفاحا على سرقة الغسيل، حتى لو كان الغسيل بمليارات، ففى النهاية لا يمكن أن تكون الجريمة الأساسية للرئيس هى فساد ذمته المالية أو أن يكون محور المحاكمة من أين لك هذا.
يجب أن تكون القضية الحقيقية هى لماذا فعلت فينا هذا؟؟.. كيف صنعت من أجمل بلاد الله أسوأ بؤرة للفساد والفقر والجهل والمرض.. كيف وصل حجم القابعين تحت خط الفقر إلى أكثر من 65% ووصل عدد الأميين إلى أكثر من 50%، كيف عاش الملايين منا كالحيوانات فى الزرائب العشوائية، وكيف تربى الملايين على أرصفة الشوارع فى دولته الديمقراطية؟.. تلك هى الجرائم الحقيقية للسيد الرئيس.. قضية زمن وسرقة أحلى سنوات العمر من الملايين.. قضية سلب حياة، سواء لمن عاش فى زرائب آدمية أو على الرصيف أو فى صحبة الجوع وقهر الفقر.. تهمته الحقيقية هى ثلاثون عاماً من التخريب المتعمد فى الاقتصاد الوطنى، أوصلتنا لما نحن فيه اليوم (على الحديدة)، بدأت بالخطط الخماسية والثلاثية الخداعية وانتهت بالخصخصة و"مصمصة" كل ممتلكات الدولة من شركات ومصانع ومؤسسات قومية أنشأتها البلد ورجالها على مدار مائة عام أو أكثر.
جريمته هنا هى تشريد ملايين العاملين وأسرهم ونقلهم من مرحلة الستر لمرحلة الجوع الكافر والتسول.. وهذه جريمة رئيس الدولة وليست جريمة وزير أو رئيس وزراء.. لأنها تمت على مدار ثلاثة حقائب وزارية وبناء على استراتيجية عالية لسحل المواطن ونهب حقوقه.. يجب أن يتم التحقيق مع الرئيس السابق عن إنجازاته القياسية فى تسويد الحياة فى مصر وكيف أصبحنا أكثر دول العالم فى انتشار السرطان والأمراض الخبيثة وأمراض الكبد، وكيف أصبحت معدلات التلوث فى مصر مثل شبكات الصرف الصحى فى العالم هواء وماء وتراب ملوث (بستين نيلة).. لا يمكن أن نحاكم الرجل على ما يمتلكه من مال ولا نسأله على ما أضاعه من ثروات على أهالى هذه البلاد، وآخر تلك الثروات هى النيل نفسه الذى أصبحنا نتفاوض عليه بعد أن كان لنا لآلاف السنين.
يجب أن نحاكم الرجل على تخريبه للهوية المصرية ومكانة المصريين فى العالم التى تأزمت وتأخرت وأصبحت بلا قوة أو هيبة أو حتى تأثير، ناهيك عن الفجوات الاجتماعية الهائلة التى نشأت بين الفقراء والأغنياء والشعب والشرطة والمسلمين والمسيحيين، هذه الفتن الهائلة والكسور الفظيعة التى تركها لنا كميراث ثقيل نحتاج فى إصلاحه إلى سنوات طويلة، ملفات كثيرة يجب أن نفتحها لمبارك ولكن من بيديه الفتح والقفل الآن الله أعلم.. من هو قائد المسيرة الذى يمكن أن يأخذ بثأر المصريين من الفرعون الأخير، هل هو الجيش أم مجلس الوزراء أم النائب العام أم أن الطريق الوحيد هو الثورة فى ميدان التحرير؟.
لقد رفضت فى مقالى السابق "انكماش ميدان التحرير" هذه المظاهرات الفئوية والشخصية التى طغت على الميدان وهزت من قوته، كرمز للمطالب العامة والشاملة، ولكن لو كان التجمع يهدف إلى محاكمة حقيقية للرجل الذى ذل ربوع مصر ثلاثين عاماً فأنا أول المتظاهرين.. أما الإخوة والأصدقاء من أصحاب العواطف الجياشة الذين يطالبون بالرحمة فى التعامل مع الرئيس والحفاظ على شفاعة العيش والملح.. فأقول لهم: "أنتم فقط من أكلتم العيش أما الأغلبية العظمى فقد عاش على الملح فقط".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة