◄◄ ليس هدف الثورة إبادة الخصوم بل الوصول بالبلد إلى بر الأمان
يواجه الفنانون فى مصر «تسونامى» جديدة.. ولكن هذه المرة على يد جهات مجهولة تزعم أنها تعمل من خلال ثورة 25 يناير التى جاءت محملة برياح التغيير، وتسلحت أيضاً بمجموعة من الأقلام الحادة ذات الرغبة الجامحة فى النيل من الجميع، والزج بهم فى قائمة «العار»، لا لشىء إلا لمجرد الاختلاف فى الرأى، مع أن الثورات فى الأساس قامت من أجل توسيع هامش التعبير وإطلاق الحريات والعمل على التعددية، بدلاً من تسليط سيف التطرف والقهر على الرقاب، إلا أن هناك من يحاول أن يتمرد على روح الثورة، ربما بدافع التشفى أو تحت غطاء تصفية الحسابات لنجد أننا أمام قائمة تضم أربعين فناناً من كبار نجومنا، ابتداء من عادل إمام وغادة عبدالرازق وعمرو دياب، وانتهاء بتامر حسنى ويسرا.. حيث تم تلطيخ مشوارهم الفنى بالسواد على أساس أن من بينهم من التزم الصمت، ومنهم من عبر عن رأيه مطالباً بالاستقرار خلال أحداث ثورة 25 يناير، بل إن بعضهم سعى جاهداً إلى ضرورة التفكير فى عواقب الأمور!
صحيح أن هناك من كان يسىء فهم أهداف الثورة وشبابها، وهناك من كان يحاول أن يصب جام غضبه على رموزها.. لكن الجميع وقع فى خطأ كبير وهو خلط الحابل بالنابل، لدرجة المساواة بين أعداء الثورة، ومن انتقدوا سلبياتها، وكذلك إلغاء الفارق بين الفنانين الذين تفهموا حقيقة الثورة وساندوها بعد نصف المشوار، وأولئك الذين قفزوا عليها وانضموا إلى قطارها بعد أن حققت نجاحها. لقد آن الأوان لكى نفكر بعقلانية بعيداً عن محاكم التفتيش، فليس هدف الثورة، ولا ثمرة من ثمارها، أن نبيد الخصوم أو نعلق المشانق، بل يجب أن نحكّم ضمائرنا للوصول بهذا البلد إلى بر الأمان، وأن نفتح الأبواب لكل من يريد أن يسهم فى دفع عجلة النهضة، فالاختلاف فى الرأى لا يعنى المغامرة أو المقامرة بمصير الوطن.
ولا أحد من الفنانين المصريين ينسى المحنة التى تعرضت لها كوكب الشرق أم كلثوم إبان ثورة 23 يوليو 1952، فقد منعها أحد الضباط الأحرار من الغناء على أساس أنها محسوبة على النظام الملكى البائد، وحررها الرئيس جمال عبدالناصر من هذا الظلم، لأن الفن لا يدين لأحد بالولاء، بل هو طاقة متجددة ترتفع دوماً فوق المراسم والرسميات، وكما تعرضت أم كلثوم لهجوم أبواق النظام الجديد بعد عام 1952، فهناك من يحاول أن يكرر اللعبة لصالح طرف على حساب طرف آخر، فنجد حملات هجوم مشبوهة تنطلق لتنال من هذا الفنان أو ذاك، أو تطعن فى وطنيته، أو تنال من مطرب على حساب مهنته، فهناك المتربصون للفنانين.. وقد تعالت الدعوات بمنع الفنانين الذين لم يساندوا الثورة من العمل، أو حتى شطبهم من النقابة، ولا تتوقف حملات المزايدة، بل نجد البعض يريد أن ينصب نفسه قاضياً، لأنه لا يكف عن توزيع الاتهامات. ومن هنا تحولت القائمة السوداء إلى فاصل كوميدى قد يثير الضحك، ولكنه ضحك كالبكاء.
أخطاء كثيرة وقعت فيها القائمة السوداء، لأنها قسمت أبناء الوطن الواحد إلى كتائب وميليشيات، وزرعت فى النفوس مرارة كبيرة عندما روّجت بأن هؤلاء الفنانين وقفوا ضد التغيير، مع أن معظهم تكبد الكثير من أجل أن يتقدم هذا المجتمع خطوة للأمام، وكافح البعض الآخر ليخلص عقول الناس من الجمود والرجعية وبث روح التنوير حتى لا نجد أنفسنا قد تخلفنا عن الركب مئات السنين للوراء، وإذا كان الخوف على الاستقرار والأمن هو الذى جعلهم يطالبون الثوار بالتردى وعدم التهور والحرص على مكتسبات البلاد، فإن الوقت قد أثبت بفعل التجربة أنهم لم يكونوا مخطئين تماماً.. فنحن الآن نحاول أن نملأ هذه الثغرات، لأن الثورة وإن كانت قد أعادت لمصر هيبتها وكرامتها، فإن هناك من استغل هذه الفرصة ليحطم أمن الشارع المصرى، ويعيث فى الأرض فساداً، وزاد على ذلك ظاهرة الاعتصامات الفئوية، والبلطجة، وظهور السلفيين بأفكارهم الغربية عن المجتمع. لقد آن الأوان أن نعود جميعاً تحت راية الوطن كمواطنين متساوين فى الحقوق والواجبات، فليس من المعقول أن تسحب الجنسية المصرية من فنان لمجرد أنه وجد نفسه مخيراً بين الفوضى والاستقرار، وليس من المنطقى أن ننصب لأنفسنا الفخاخ ونخرج إلى الفضائيات لتبادل الاتهامات والاستفزازات، فالثورة لم تدعُ إلى الشقاق أو التنابز بالألقاب.. ولا يمكن أن تحجر رأياً، ولا يمكن أن تكون هى التى صنعت قوائم العار.. ولا أعرف من الذى نصب نفسه لوضع هذه القائمة.. لأن الثورة أطلقت شعارها الذى ينادى بالوحدة، وبعد أن هدأت الهزات الثورية وتوابعها لابد أن تكون هناك قائمة جديدة تحمل اسم «ميثاق العمل الوطنى»، يوقع عليها من يحبون مصر، لا من يدمرون مصر بعار جديد اسمه «قائمة العار».. وأعتقد أنه إذا كنا قد اختلفنا على الهدم، فإننا سنتحد جميعاً من أجل البناء.. فنحن بحاجة لفتح صفحة بيضاء بعيداً عن القوائم السوداء.. قوائم العار.. نحن بحاجة إلى بداية جديدة تعتمد على الثقة، وليس على تبادل الاتهامات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة