لقد سقط النظام السياسى المصرى الذى أوهمنا طيلة ثلاثة عقود بأن ثروات مصر الوفيرة تلتهمها التنمية، وعندما أزاحت ثورة 25 يناير الستار عن فساد النظام ورموزه سمعنا عن المليارات التى فى حسابات الرئيس وأسرته وزبانيته، والتى بالطبع وضعوها بعيداً عن أعين الشعب حيث الحماية وضمان السرية، ولكنهم نسوا أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، ولن تموت الحقوق بالتقادم، ولن يضيع دم شهداء الثورة هدرا،ً فما زالت مصر تنجب الشرفاء الذين سيقفون بكل حزم لمن استباحوا الأموال العامة وأراضى الدولة، وكل غالى ونفيث، وكأنه ملكية خاصة، ورثوها عن الأجداد.
وظل النظام الفاسد ينصح الشعب بربط الحزام، حتى تعوّد السواد الأعظم الدوران فى فلك البحث عن الرزق، دون أن يفكر فى كيفية القضاء على منابع سلب ونهب ثرواته، فمن أين يأتى بالوقت الذى يتفرغ فيه لبحث شئون حياته اليومية، وهو يعمل من أجل لقمة العيش ليل نهار؟
ولكن دوام الحال من المحال، فانتفض الشعب لإسقاط النظام، الذى أبعده طيلة هذه السنوات عن المشاركة فى التخطيط للنهوض بمصرنا الحبيبة، والاعتماد على ثرواتنا دون الحاجة إلى الإستدانة وقبول المنح الخارجية، التى ينطوى بعضها على تنفيذ أجندات خاصة بعيدة عن مجالات التنمية التى جاءت من أجلها.
ففى إحصائية عام 2006 قدرت القيمة الإجمالية للمنح التى حصلت عليها مصر منذ عام 1982 بـ 45 مليار دولار، بين منح لا ترد أو معونات أو قروض ميسرة، وتلك المنح منها ما هو إيجابى، مثل المنحة التى قدمتها ألمانيا لتطوير صناعة الصلب فى مصر، وأيضاً المنح التى قدمتها بريطانيا لقطاع المناجم، والمنحة الفرنسية التى ساعدت مصر فى تنفيذ مشروع مترو الأنفاق.
ومعظم الدول المانحة لا تقدم هبات، أو كما يقولون منحاً لا ترد، فلا يوجد منحة تقدم بلا مقابل، فتلك الدول خاصة التى لديها أطماع استعمارية تقدم المنح من أجل تحقيق أهداف سياسية تختلف من بلد إلى آخر.
وجزء كبير من المنح المقدمة إلى مصر يصرف فى شكل مرتبات خيالية لخبراء الدول المانحة، وإلزام مصر بشراء سلع محددة من تلك الدول، وغالباً ما تستخدم تلك المنح فى مجالات غير مؤثرة، مما يجعل المواطن العادى لا يشعر بها.
وتجدر الإشارة هنا إلى تصريحات صحفية سابقة، للدكتور سمير رضوان وزير المالية الحالى ورئيس منتدى البحوث الاقتصادية آنذاك، أنه لا توجد دولة حققت نمواً من خلال الاعتماد على المنح والمعونات فقط.
وفى هذا الصدد يمكن أن نأخذ العبرة من التجربة التنموية الصينية، وأهم درس من هذه التجربة هو إمكانية قيام التنمية إذا ما توافرت القيادة التى تعتمد التخطيط السليم وتحقق التعاون مع الشعب، فلن يقف حجم السكان الهائل عائقاً أمام التنمية بل العكس، فقد تم استغلاله بشكل جيد، فقفزت الصين إلى مصاف الدول المتقدمة خلال فترة قصيرة، وفى هذا درس مهم لكل الدول النامية ذات الموارد المحدودة، ذات حجم السكان الكبير فى أن يستفيدوا من هذه التجربة العظيمة، مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة الاستقلال السياسى، والغاء التبعية التى كانت العامل الأساسى فى نهضة الصين، بل ونهضة أى دولة تحاول القيام بالتنمية الناجحة.
نحن لا نمانع فى التعاون المثمر بين مصر والدول الصديقة، ولكن لا نريد منحاً، لتركيع هذا الشعب العظيم، الذى لديه من الثروات ما يمكن تطويعه لتحقيق نهضة تجعله فى مصاف الدول المتقدمة.
علينا فقط أن نشعر المواطن المصرى أن هذا الوطن ملك له ولأولاده، وليس ملك لحفنة من الفاسدين المنتفعين، ونغذى روح الانتماء بإعطاء الفرصة لكل فرد للمساهمة فى تنمية وطنه، حتى يؤمن بأنه شريك فى هذا الوطن ويحميه بروحه ودمه.