لا أعتقد أن قصة "عنتر وعبلة " قد انتشرت واشتهرت مثل قصة "عبير وياسين" فعنترة (بشنباته وعضلاته) لم يقتل لعبلة نفرين اثنين.. ولكن ياسين (ربنا يحرقه) قتل 12 بنى آدم وأصاب أكثر من مائتين.. وعبلة أقصد عبير فخرى أصبحت نجمة وشاهد حوارها العبيط عشرات الملايين.. كلنا شاهدنا الحوار، والكثير منا اقتنع به رغم عدم وجود ما يؤكد أنها عبير، أو أسماء أو حتى برعى فحتى ملامحها لا تدل إذا كانت من الذكور أم الإناث.. ولكن (مراية الحب عامية) وياسين لم يهتم بالجمال بل أحب فيها الأخلاق والإخلاص الذى جعلها تترك زوجها لتتزوج من رجل آخر، وتغير دينها لتحصل على زوج جديد، وكأننا لسنا بشر بل(جزم).. والحكاية التى ترويها الفتاة التى يقولون أنها عبير أقرب ما تكون إلى الأفلام الهندى، التى كنا نشاهدها قديما على القناة الثانية.. فالبطلة تحصل على (الموبايل) فجأة كده، وتحتفظ به كهدية من المختطفين الكرماء، والشرطة تتصل بها، وهى تتساءل (أنت فين يا بنتى) واميتاب بتشان أقصد ياسين ثابت يقاتل ويحرق بحثا عن شاه شاه فى القلعة الحصينة التى يحرسها رجل مسن فى السبعين، كل هذا فى نفس التوقيت لتنتهى قصة شهور الاختطاف فى دقائق معدودة وتخرج البطلة سالمة غانمة مع ابنتها؟ التى تقول إنها كانت معها، وهى مخطوفة؟.. لا أعرف كيف نصدق هذه التخاريف، وكيف تحولت إلى نافورة دم.. ولماذا اهتم الإعلام بأنواعه وتفرغ، لنقل هذا الحوار بدون التأكد من صحته، والصحة العقلية للبطلة، ودوافع تغيير ديانتها وملتها، فهل تركت زوجها وأسرتها لأسباب فكرية وعقائدية، أم أن الهوا غلاب والفرق شاسع بين الدوافع لو افترضنا صدق الحكاية.. المهم هنا أن نعرف هل حب ياسين تمويل خليجى أم مخطط أمريكى أم غباء محلى.. وإذا كان السلفيون يستنكرون والأمريكان ينددون ونحن جميعا نصرخ يحيا الهلال مع الصليب، فمن أين نعرف القاتل من المقتول.. حتى الآلاف الذين التفوا حول الكنيسة وقتها لن تعرف من منهم الفاعل ومن المتفرج، وهى ظاهرة غريبة أن نجتمع ونحتشد على كل هتاف أو مصيبة، وكأن لنا مصلحة فى تزويغ البطل أو هروب البطلة، أو موت الجماهير.. والأغرب من كل ذلك لماذا انتقلت المعركة فجأة إلى كورنيش النيل أمام ماسبيرو، ومن هؤلاء الغاضبين من الجانبين الذين يتقاتلون كالبلطجية بالطوب والملتوف.. أننا نعيش فى فيلم كئيب له سيناريو مخيف ومريب، فلا نعرف من هو الشرير ومن الطيب، ومن الأهبل فى كل أحداثه.
الشىء الوحيد الذى يمكن أن ندركه بسهولة أن نهاية الفيلم سوداء.. أسود بكثير مما كنا فيه قبل 25 يناير.. فهل استخسرنا فى أنفسنا الحرية والديمقراطية والكرامة.. هل استكثرنا على أنفسنا أن نعيش كباقى العباد، ونبنى هذا الوطن ونزرع هذه الأرض، بعد طول ذلنا ونهب مواردنا.. لماذا تفرغنا للهدم والتكسير والقتل كالهمج، وأبدعنا فى صناعة الفتن الطائفية والمعارك الشوارعية والجرائم الدموية.. لقد مات منا منذ نجاح الثورة أضعاف عدد الشهداء.. فهل كان فساد النظام السابق وجبروته أرحم علينا من أنفسنا.. هل يصدق أحد أننا بعد ثورتنا العظيمة نطالب الجيش بتطبيق الأحكام العرفية.. نتوسل للشرطة بأن تعيد قوتها الغاشمة، حتى ولو بقانون الطوارئ.. كل يوم جديد يأتى بمصيبة أشد ( المقطم، أطفيح، قنا، نهب المستشفيات، تخريب السجون، شارع عبد العزيز، إمبابة).. الخ، فمن أين تأتى المصيبة هل من جهلنا وغبائنا؟ أم لطبع الشر فينا؟ أم أننا عرائس تلعب بنا الأيادى الخفية كما يدعون؟
لقد استخسرنا فى أنفسنا فرحة الثورة البيضاء، وقرر البعض منا أن يحولها إلى مستنقع دم دائم.. فزادت الجريمة وكأن نصف المجتمع أصبح فجأة من السفاحين والمطاريد وزادت المشاجرات الجماعية والمعارك الدموية بين الناس، وكأننا فى مجاهل الغابات المفتوحة ولم نكتفِ بكل ذلك بل يحاول البعض إشعال فتنة طائفية ويكافح لهدم البيت على من فيه.. لنستمر فى البحث عن كاميليا أو أسماء أو عبير أو أى شخصية خزعبلية ليموت العشرات من أجلها كالقطط والكلاب بلا أسباب أو ثمن.. فأين العقل فى هذا الوطن.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة