◄◄ لماذا لم نر دعاة أزهريين بوزن الشعراوى والغزالى والقرضاوى الذين حاربوا الفتنة فصدقهم المسلمون؟
ماحدث فى كارثة كنيسة إمبابة، ومن قبلها هدم كنيسة صول فى أطفيح، وكذلك ماجرى فى مظاهرات بمحافظة قنا اعتراضاً على تعيين محافظ قبطى، يطرح سؤالاً: «أين دور الأزهر فى كل ذلك، ولماذا اختفى تأثيره كمؤسسة وسطية فى تعاملها مع الإسلام»؟.
السؤال يفرض نفسه لأن الأزهر يحمل تاريخاً ناصعاً فى مواجهة وقيادة المصريين، ليس فقط فى قضاياهم الحياتية التى تتعلق بتعاليم الدين الإسلامى كلها، وإنما فى تحويل تعاليم الدين إلى طاقة رائعة فى مواجهة المخاطر الخارجية التى تواجه المصريين، كما حدث فى مقاومة الاحتلال البريطانى لمصر، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على نسيج الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، وكانت أفكار كبار شيوخ الأزهر مثل محمد عبده تؤسس لوسطية الأزهر وقدرته على استيعاب أفكار العصر والتعامل مع مفرداته.
وامتد دور الأزهر الإقليمى إلى أفريقيا وآسيا، وبعد كل هذا التاريخ تراجع دوره بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، وجرى عليه ماجرى على المؤسسات السياسية، حيث تخلى عن دوره فى تطوير الفقه والتفكير الوسطى الحضارى. وتحول إلى مجال للصراع والسلطة، كما فقد الأزهر الكثير من قوته الروحية عندما لعب دوراً سياسياً سواء بفتح الباب لأفكار متشددة، وأهمل التقريب بين المذاهب، وتحول إلى مجال لتصارع السلفيين والإخوان والوهابية. وافتقد تميزه كوعاء للفكر الإسلامى، وضمانة للتوازن ومنع التعصب.
وبسبب تأثيرات السياسة والمجتمع وتركيبة النظام السابق، وصل التوتر أقصاه فى ظل شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوى الذى كان مجدداً على مستوى الفكر، لكنه بعد تولى المشيخة اتهمه السلفيون والإخوان بأنه من شيوخ السلطان، وبالرغم من مهابة منصب شيخ الأزهر، وتأثيره فى نفوس المسلمين، إلا أن الاتهامات للشيخ طنطاوى، وصلت إلى حد تقديم استجوابات وطلبات إحاطة ضده فى البرلمان، ومع استمرار هذا الوضع، انصرف الأزهر عن مهمته الحقيقية فى تعميق وحدة النسيج الوطنى، لكن الأحوال اتسمت بالتفاؤل بعد تولى الشيخ أحمد الطيب مشيخة الأزهر، لما يتسم به من هدوء ورغبة فى الحوار، ومحاولة استعادة وسطية الأزهر التى سادت طوال قرون. وهو الذى طرح فكرة انتخاب الإمام الأكبر، وطلب تغيير القانون.
لقاء الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، جاء بعد سنوات من الشقاق والجدل. بعضها كان سياسياً والبعض الآخر كان مذهبياً، الدكتور الطيب يسعى منذ توليه المشيخة إلى استعادة وسطية الأزهر كممثل للإسلام الحضارى، لكن هذا الهدف تقف امامه بعض العقبات بعضها ترسبات سابقة تشكلت فى غياب الحوار.
وربما كان الحوار بين الإخوان والأزهر بداية لتقارب وسطى ينزع تسييس الإخوان، ويدعم الفكر الأكثر اعتدالاً فى مواجهة الأكثر تشدداً. وفى حال تفهم الإخوان للفرق بين الدينى والسياسى يمكن سد الفجوة. وتبقى استعادة قدرة الأزهر على فرض رؤيته الوسطية التى تستوعب كل التيارات سواء السلفية، أو الشيعية أو الصوفية والتى كانت طوال الوقت ممثلة فى سياق ينتج رؤية أكثر استنارة واعتدالاً للأزهر. هى حرب على الأزهر وأيضاً حرب يخوضها شيخه الدكتور الطيب سوف تنتهى نتائجها إما إلى انتصار الوسطية أو هزيمة الأزهر.
جس نبض السلفيين
وعودة إلى لقاء شيخ الأزهر بمرشد الجماعة، والذى يأتى منها سؤال، هل يمكن أن تؤثر بالإيجاب على باقى التيارات الدينية وفى القلب منها السلفيين؟، الإجابة تأتى من ترحيب الدكتور أحمد الطيب باللقاء، والاتفاق سوياً على توحيد الخطاب خلال الفترة القادمة، ورأى البعض أنها ارسلت إشارات عابرة للسلفيين هدفها «جس النبض»، وفى المقابل صمتت الدعوة السلفية امام المبادرة التى أطلقها الطيب لإصلاح الأزهر، وتضمنت عودة هيئة كبار العلماء رغم أنها كانت تطالب بأغلب ما جاء فى المبادرة منذ سنوات، وتكرر نفس الصمت تجاه دعوة الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية لجميع التيارات الإسلامية بما فيها السلفيين لإجراء حوار شامل، وهو ما يؤكد أن الخلل الذى أصاب علاقة الأزهر بالسلفيين لا يمكن إصلاحه بسهولة.
والمثير أن هذا الخلل فى العلاقة بين الأزهر والسلفيون يأتى بالرغم من أن الطرفين يحتفظان برصيد أمام الرأى العام، ويخشى كل طرف أن يفقده بعدائه للطرف الآخر، فالأزهر لازال يحظى بتقدير وتوقير غالبية المصريين، أما الدعوة السلفية فهى الأكثر شعبية بين التيارات الإسلامية المختلفة ومن ثم فان السلفيين يخشون إذا ما تمادوا فى هجومهم على الأزهر «المؤسسة» أن يفقدوا احترامهم فى نظر شريحة من المواطنين، وكذلك فان الشعبية الجارفة للدعاة السلفيين ترغم كبار علماء الازهر على التوقف فى لحظة ما عن استعداء السلفيين.
الخصومة القائمة مذهبياً وفكرياً وحركياً ترجع إلى انتشار الفكر السلفى فى مصر منذ السبعينات بتنويعاته المختلفة من الوهابيين إلى التبليغ إلى غيرها، ولقى الفكر الوهابى دعما من السادات وتزايد مع متانة العلاقة بين الرئيس السابق حسنى مبارك والسعودية. التى ساعدت الفكر الوهابي، وسحب هذا من رصيد الأزهر، الذى لم يعد ممثلاً للوسطية وتاثر بالسياسة واهوائها والتعصب واشكاله. وعجز عن مواجهة الارهاب فى الثمانينات والتسعينات، كما عجز عن مواجهة الفتن التى تفجرت بين المسيحيين والمسلمين. لأن دعاة الازهر حل مكانهم نجوم مختلفون، لم يكونوا فى وسطية الامام الشعراوى والشيخ الغزالى، والقرضاوى.
نجوم السلفية تضع عراقيل أمام محاولات الأزهر اليوم لاستعادة مكانته فى الشارع المصرى، فدعاة مثل الشيخ محمد محمد حسان - وأبوإسحاق الحوينى والشيخ يعقوب الذين ينتمون إلى السلفيين أصبحوا الأكثر تأثيراً وشعبية من رجال الأزهر، الذى لم يعد فيه دعاة محبوبون شعبياً هم من خريجه، مثل محمد متولى الشعراوى والشيخ الغزالى ويوسف القرضاوى.
الخصومة
ملامح الخصومة بين السلفيين والأزهر بدت أكثر وضوحاً بعد ثورة 25 يناير، فمثلاً الهجوم السلفى على مساجد وزارة الأوقاف وطرد أئمة الأزهر والأوقاف منها هو أحد تجليات هذه الخصومة التى تحولت فيها بعض المساجد إلى ساحات للاشتباكات بدلاً من الصلاة والعبادة على النحو الذى جرى فى مسجد النور بالعباسية على مدار شهر كامل عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع، وليت الأمر توقف عند الاشتباكات، بل إن الدكتور إبراهيم الخولى الذى إرتقى منبر المسجد بدلاً من أحمد ترك الازهرى المعين من قبل الأوقاف وافتى أثناء «العراك» بان الصلاة فى مساجد الأوقاف باطلة، وهى فتوى لا تخلو من تكفير ضمنى لائمة الأوقاف - أغلبهم من خريجى الأزهر - حيث انه من المستقر عليه فى الفقه الإسلامى أن الصلاة تكون باطلة إذا كان الأمام فاسق أو كافر، والغريب أن الخولى نفسه يعمل أستاذا بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر لكنه من المحسوبين على السلفيين.
الحصار السلفى لمقر مشيخة الأزهر قبل الجلسة الأخيرة لمجمع البحوث الإسلامية كان جزء من الخصومة بسبب أن الفتوى التى صدرت عن دار الإفتاء وأخذت بها المحكمة الإدارية العليا فى حكمها بمنع ارتداء النقاب أثناء الامتحانات الجامعية، لم تأت على هوى السلفيين فاحتشدوا بهدف الضغط على المجمع حتى يصدر الفتوى التى على هواهم، وكانت تصريحات نزار غراب محامى المنتقبات واحد الأذرع القانونية للسلفيين تحمل قدراً كبيراً من التعالى على مجمع البحوث الاسلامية، حيث أتهم أمين مجمع البحوث الإسلامية بأنه غير سؤالاً تقدمت به إحدى المنتقبات عن حكم ارتداء النقاب عند الأئمة الأربعة.
معركة «النقاب» جزء من حرب معلنة بدأت منذ سنوات طويلة بين السلفيين والدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية، الذى يعد بحق «الد» خصوم السلفيين داخل الأزهر والمواجهات لا تتوقف بينه وبينهم وتصل فى بعض الأحيان إلى حد التطاول، مثلما حدث عندما وصفه أبو إسحق الحوينى الداعية السلفى الشهير بانه - آى جمعة - «بصمجى».
رصد العلاقة بين السلفيين والأزهر، يأتى أيضاً فى تصاعد ظاهرة «تسلف» الأزهر خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يمكن وصفه بالغزو السلفى لمؤسسة الأزهر، وكان من ثماره أن أساتذة بجامعة الأزهر صاروا من منظرى التيار السلفى، مثل الدكتور عمر عبدالعزيز الأستاذ بكلية الدعوة، والدكتور إبراهيم الخولى الأستاذ بكلية اللغة العربية إما على مستوى الطلاب فيكفى الإشارة إلى أن أول مؤتمر نظمته الدعوة السلفية فى القاهرة كان داخل المدينة الجامعية لجامعة الأزهر شارك فيه ياسر البرهامى ومحمد إسماعيل المقدم، وفى مؤتمر آخر داخل الأزهر افتى الداعية السلفى حازم شومان ان الليبراليين «منحرفون» والصوفية «ملاحدة».
من جانبه أشار عبدالمنعم الشحات المتحدث باسم الدعوة السلفية إلى انه طرح قبل الثورة مشروعا للتعاون بين الأزهر والسلفيين وتجنب الخلاف المذهبى بين الأزهر «الاشعرى» بحسب تعبيره والسلفيين «الحنابلة» وتوحيد جهودهم لمواجهة تيارات فكرية آخرى تعادى الطرفين.
وقال الشحات: «السلفيين لم يخرجوا أبداً فى اختياراتهم العقدية عن الاختيارات التى أقرها أحد علماء الأزهر حتى لو لم يكن هذا الاختيار معتمد رسمياً من قبل مؤسسة الأزهر لكن للأسف تحول الأزهر إلى خصم فى ظل النظام السابق الذى أبعد الأزهر عن القيام بدوره كمظلة تظل جميع الدعاة إلى الله فى إطار من المنافسة والتعددية».
وحول هجوم السلفيين على الدكتور على جمعة والدكتور أحمد الطيب بسبب قربهما من الطرق الصوفية يقول الشحات: «لا يليق أن يكون شيخ الأزهر منحازاً لمدرسة معينة خاصة إذا كانت مدرسة ليست علمية ومن جهتنا فنحن نفضل استخدام سلاح الإقناع لحين توضيح الصورة» لكن شدد فى الوقت ذاته أن هناك مؤشرات قوية على التقارب بين الطرفين ودلل على كلامه بالتصريحات التى صدرت عن الطيب وقال فيها انه يؤيد صوفية الجنيد وهى المدرسة الصوفية التى توصفه بانها سلفية.
واعتبر الشحات فى الوقت ذاته ان البيان الصادر عن دار الافتاء لتوضيح الموقف من قضية النقاب هو محاولة من جمعة للتصالح مع التيار السلفى مضيفاً: «نحن نرحب باى جهود مهما بدت أولية فى إطار التقارب بين الازهر والسلفيين».
ويبقى أخيراً القول بأنه فى ظل العلاقة المتوترة بين الطرفين، تتعرقل جهود الأزهر الفكرية مع السلفيين، فى تعديل نظرتهم نحو المسيحيين فى مصر، وهو مايؤدى إلى أن يكون هناك أرضاً خصبة للفتنة الطائفية.
شيخ الأزهر والمرشد الحالى والسابق للجماعة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة