لا أفهم كيف فكر وخطط نشطاء حملة "مليونية الزحف نحو القدس" لحملتهم هذه، وما إذا كانوا تدارسوا المخاطر وردود الفعل غير المحسوبة للعدو الإسرائيلى أم اكتفوا بالانفعال وتصور أن انفعالهم كفيل بإجبار حكومة تل أبيب على الانصياع لمطالبهم؟ وماذا كانوا سيفعلون حال وصولهم إلى غزة، بافتراض السماح لهم بالوصول إلى الحدود وتجاوزها دون الإجراءات العادية المعمول بها؟
أكانوا سيتحركون فى غزة باتجاه القدس مثلما يتحركون فى شوارع القاهرة باتجاه ميدان التحرير يوم الجمعة مثلاً؟ وماذا لو فتحت قوات الاحتلال الإسرائيلى النار على "مليونية الزحف" قبل تجاوزها الحدود المصرية، أو حتى بعد تجاوزها ودخولها غزة؟ ما الموقف عندئذ؟ وهل فكر "النشطاء" و"السياسيون" وراء الحملة فى إمكانية توريط مصر فى حرب غير مخطط لها؟
بالطبع، كان لابد من منع نشطاء مليونية الزحف من الوصول إلى غزة أو حتى إلى كوبرى السلام بسيناء أو أى من المرافق الحيوية داخل جبهتنا الشرقية لمنع تقديم الزريعة لمن يريد استغلال الظروف التى تمر بالبلاد وتوريطها فى حرب هى لم تخطط لها ولم تتخذ القرار بدخولها.
ولكن يبقى السؤال الأول مطروحاً، وفق أى منطقة فكر وخطط نشطاء "المليونية"؟ وهل بينهم من الكوادر من يستطيع تدارس الخطوات والتحركات قبل إعلانها والعمل على تنفيذها أم أن الأمور محكومة بالخيال الرومانسى الذى يفترض لنفسه قوة الواقع فى غرف الدردشة وفى الاجتماعات الحماسية داخل المنازل؟
نفس المنطق وطريقة التكفير كانت هى السائدة، على المستوى الشعبى فى سنوات الستينيات، وكان الاعتقاد العام لدى رجل الشارع بفعل التصريحات السياسية ووسائل الإعلام أن مليون مصرى أو مليونين لو تحركوا باتجاه تل أبيب عزلاً من السلاح لقضوا على إسرائيل فى ساعات، بل وصل الحل إلى إطلاق النكتة التى تقول بأن المصريين لو بصقوا جميعاً فى اتجاه الشرق لأغرقوا إسرائيل، وعند أول اختبار ظهر تأثير هذا التفكير الارتجالى وكانت الهزيمة التى مازلنا ندفع ثمنها.
نحن هزمنا لأننا لم نخطط للحرب التى نخوضها ولم نختر توقيتها ولم نحدد أهدافنا الوطنية ولا حسابات المكسب والخسارة من ورائها، لذلك كانت هزيمة فى الميدان وفى الوعى العام الذى يبدو أنه لم يتعلم كثيراً من حرب الأيام الستة، رغم أنه لم يبرأ بعد من جرحها!