لا تنزعج مما يحدث فى مصر الآن، ولا تمنح تلك الفوضى السائدة فرصة أن تصيبك بـ«الخضة» أو الفزع، ولا تدع هذه البلطجة المنتشرة تخلق فى عقلك الباطن بعض الحنين للنظام السابق وأمنه وأمانه واستقراره وباقى القصيدة الكافرة الكاذبة التى لم نر منها مكسبا على أرض الواقع طوال سنوات مبارك الثلاثين.
باختصار لا تقل أبدا «ولا يوم من أيامك يا مبارك»، لأن الفوضى التى نعيشها الآن تم تغذيتها وتسمينها طوال سنوات حكم مبارك، ولأن أيام مبارك ليست أفضل من هذه الأيام، حتى ولو شوهت البلطجة والفوضى صورتها، أيام مبارك كانت رتيبة بلا أمل، وأيامنا الأن كلها أمل، أيام مبارك كانت فيها الكوابيس من نصيب الغلابة والأحلام تم تخصيصها للأثرياء وأهل السلطة، والأيام الخالية من مبارك الآن شبابيك أحلامها مفتوحة للجميع حتى ولو كان الأمر على أرض الواقع فى لحظتنا هذه تحت سيطرة الكوابيس.
لا تنزعج ولا تكره ميدان التحرير وماجاء به من ثورة مفاجئة، التاريخ نفسه يخبرك بأن الفوضى والدماء والارتباك من أهم الأعراض المؤقتة التى تظهر على البلاد التى تصيبها ثورة، وقال أيضا هى أعراض ضرورية حتى يتخلص جسم الوطن المريض من كل بلاويه، وتصبح خريطة أمراضه مكشوفة أمام الطبيب القادم لعلاجه. ولكن هل تعنى دعوتى هذه ألا تنزعج من أداء حكومة الدكتور شرف وطريقة المجلس العسكرى فى التعامل مع الأمور؟..
على العكس تماما يمكنك هنا أن تبدى انزعاجك الكامل ودهشتك الأكثر كمالا من أداء الحكومة والمجلس العسكرى وفشل كليهما فى استيعاب أن ماحدث فى مصر كان ثورة شعبية حقيقية تستدعى تطويرا فى طريقة التفكير وشجاعة فى اتخاذ القرار، بدلا من السير على نهج وطريقة النظام القديم كما لو كان الأمر مقررا علينا حتى وإن غيرنا الوجوه والأشخاص، السادة فى الحكومة والمجلس فتحوا دولاب الحكم فى مصر واستخدموا نفس الشماعة القديمة لتبرير فشلهم مثلما كان يفعل مبارك، وأصبحت كل كارثة من صنع مخططات خارجية ومجهولين وعيون خبيثة مترصدة، وهو أمر منطقى قبوله فى ظل وضع المنطقة، ولكن لا يجوز استخدامه إلا بعد أن يجيب السادة فى الحكومة والمجلس عن هذا السؤال أولا.. هل اتخذتم مايكفى لحماية تلك الثورة وهذا الوطن، وهل لديكم تبرير لهذا الحضور الأمنى المتأخر باستفزاز أثناء كارثة إمبابة وماسبيرو وقنا التى كان من الممكن تلافى آثار كل حادثة منها لو تواجد أفراد الجيش والشرطة فى الموعد المناسب؟. وهل لديكم أى تفسير لاختيار سامى الشريف ابن النظام السابق رجلا أول للإعلام بكل ضعفه وارتباكه، واختيار مصطفى الفقى أحد رجال مبارك والذى قبل بمقعد برلمانى مزور ليكون مرشح مصر لجامعة الدول قبل أن تشطب قطر اختياركم وتجبركم على اختيار نبيل العربى فى حادثة لن يذكرها التاريخ إلا بكل سوء وعار؟ ألم تصلكم أنباء الثورة فى مصر، ألم يخبركم أحد أن الثورات مثلها مثل «جرافينا» فى الإعلان الشهير تنسف الحمامات القديمة بكل قرفها بحثا عن ألوان أكثر إشراقا ووضوحا؟!
الفلول الذين جعلتم منهم «لبانة» تمضغونها نعرف بوجودهم ولا ننتظر منهم إلا المصائب ولسنا فى حاجة إليكم لكى تخبرونا بأنهم أشرار، نحن ننظر منكم أنتم خطوات واضحة وحاسمة للحفاظ على تلك الثورة وليست تصريحات مقتبسة من خطابات مبارك فى عيد العمال وليلة القدر، ننتظر منكم صدقا فى الحديث بدلا من تلك الهتافات الحماسية التى علمناكم إياها فى ميدان التحرير، ننتظر منكم خططا واضحة حتى لا تأخذ الأمور فى مصر منحنى أكثر هبلا وهطلا من الذى تسير إليه الآن؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة