ليس عندى ذرة شك واحدة فى أنه لا يوجد مستقبل حضارى وآمن لمصر طالما كانت إسرائيل ترفرف بأجنحتها السوداء على حدودنا الشرقية، كما أنه من المحال أن تؤتى ثورتنا العظيمة أكلها، بينما الشعب الفلسطينى العظيم يكابد الأمرين تحت بطش وجبروت الدولة العبرية البغيضة، ومع ذلك تعجبت كثيراً من بعض الآراء التى طرحت فكرة الزحف إلى غزة قبل أيام تأييداً وانحيازاً للشعب الفلسطينى.
لماذا؟
لأننا فى مصر ما زلنا فى مرحلة تشييد النظام الجديد بعد أن قامت الثورة بإزاحة النظام القديم، كما أن شكل ومحتوى هذا النظام الجديد لم يتبلور بعد، حيث تدور النقاشات الجادة والعميقة، والحادة أحياناً، حول طبيعته، فهل ننشئ نظاماً برلمانياً، تصبح السلطة كلها فى يد البرلمان، أم نؤسس لنظام رئاسى محدود الصلاحيات، أم نبنى نظاماً مختلطاً بين الاثنين؟ ثم كيف نحقق العدالة الاجتماعية أحد أهم الأهداف التى من أجلها اندلعت الثورة، بعد أن تمكن النظام الساقط لحسنى مبارك من أن يراكم الثروة فى جيب أقلية محظوظة ومشبوهة، بينما ذاق الملايين ذل الحاجة وبؤس الفقر.
والأخطر من ذلك كيف نستعيد العافية العقلية لدى المصريين بعد سنوات مريرة سبحنا فيها فى بحور التفاهة والابتذال وضيق الأفق؟
لعلك لاحظت أن المهام جسام، وأن تنظيف البيت المصرى من بكتيريا النظام البائس، الذى حكمنا ثلاثين عاماً، فى حاجة إلى وقت وجهد كبيرين، الأمر الذى يؤكد ضرورة التفرغ إلى تنفيذ هذه المهام الملحة قبل أى شىء آخر.
حسناً.. إذا كان هذا الكلام صحيحاً، وأظنه كذلك، كيف نتعامل مع فلسطين الشعب والسلطة؟ بل كيف نتعامل مع إسرائيل الدولة المغتصبة التى تمتلك نحو مائتى قنبلة نووية، علماً بأن النظام المصرى الأسبق برئاسة السادات، وليس الشعب، هو الذى أبرم معها معاهدة صلح ظالمة؟ كما أن النظام الساقط حديثاً حافظ على هذه المعاهدة وتمادى فى إبراز التعاطف مع هذه الدولة المشبوهة، لدرجة دفعت أحد قادتها إلى وصف الرئيس المخلوع حسنى مبارك بأنه كنز استراتيجى لإسرائيل؟
لا مناص أمامنا من ضرورة ترتيب الأولويات بما يخدم مصالحنا فى المقام الأول، لذا أزعم أن حل القضية الفلسطينية مرهون بالإنجازات التى يحققها المجتمع بعد نجاح الثورة فى مصر، وأن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف لن تحدث إلا إذا أسسنا نحن المصريين نظاماً ديمقراطياً ينهض على الحرية والعدالة الاجتماعية.
كما ينبغى استعادة روح العقل والاستنارة والإحساس التاريخى بالوطن والإقليم العربى ككل، آنذاك فقط يمكن لنا أن نخدم أخواتنا الفلسطينيين بكل طاقتنا الجبارة، لأن الوقوف بجانب الشعب الفلسلطينى يعد بمثابة خط الدفاع الأول عن أمن مصر القومى.
ذلك أن التقاعس عن نصرة هذا الشعب البطل ستؤدى، لا قدر الله، إلى تقزيم مصر وإضعافها داخلياً وخارجياً، وهو ما حدث على يد النظام السابق بكل أسف.
أرجو ألا تظن أننى أدعو إلى صد الناس عن التعبير عن انحيازهم إلى جانب الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة التى خطفتها الدولة الإسرائيلية المدعومة بقوى غربية جبارة، لا ليس هذا ما أدعو إليه، بل أحسب أن هناك ضرورة قومية وأخلاقية تفرض على كل مصرى وعربى أن يساند أهلنا فى فلسطين بكل ما يستطيع من قوة.
ولكن ما أرغب فى التأكيد عليه بخصوص مصر تحديداً، يتمثل فى ضرورة تكثيف الجهود نحو بناء الدولة الجديدة أولاً، حتى لا تتشتت الجهود من ناحية، وحتى لا نثير غريزة القتل لدى إسرائيل، فتتهور وتسعى لإفساد ما نسعى لعمله، ونصبو إلى تحقيقه، فمصر القوية فقط هى التى تستطيع أن تعضد نضال الشعب الفلسطينى البطل وتعززه.
نعم... فلسطين فى القلب، ما دامت مصر فى القلب أولاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة