جدل كبير بدأ ولم ينتهِ منذ أن ألقى الرئيس الأمريكى باراك أوباما خطابه عن ربيع الثورات العربية، وأعلن فيه مجموعة قرارات ووعود بشأن مساعدة الاقتصاد المصرى خلال المرحلة الراهنة، وفق ما سماه بـ "الاستثمار فى الديمقراطية".
نحن إذن أمام موقف أمريكى يهدف إلى تأكيد المصالح الأمريكية حتى لو اقتضى هذا الموقف مساعدة بلد آخر، هو هنا "مصر"، وهذا الموقف يختلف بالضرورة عن الموقف الوطنى المصرى الذى يضطلع به حاليا المسئولون عن الحكم عندنا، فيما يتعلق بمساعدة مصر لنفسها فى الخروج من أزمتها الاقتصادية والعبور إلى ثورة تالية لتحقيق الرخاء والرفاهية للمجتمع المصرى.
الموقف المصرى للخروج من الأزمة وبناء مجتمع جديد هو الثابت والأساس، وما عدا ذلك من الدول الأخرى كبرى وصغرى، محورية أو هامشية هو دور ثانوى وهامشى ومساعد، يؤخذ فى الاعتبار لكن لا يعول عليه باعتباره بديلا عما يجب أن نقوم به من تجاه أنفسنا.
وانطلاقا من هذا الإطار يمكن التعامل مع ما جاء بخطاب أوباما من قرارات ووعود، فقد كنا نطالب الإدارة الأمريكية بإسقاط كل الديون المستحقة والتى تقترب من 8 مليارات دولار، وأعلن أوباما إسقاط مليار واحد، جميل، هم أصحاب القرار لكننا أصحاب القدرة على ضبط المصالح الكبرى فى منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم يمكننا تعظيم مكاسبنا، والجدل المصرى - المصرى المفترض أن يدور الآن، يجب أن يفاوض بضراوة حول إسقاط حصة أخرى من هذه الديون أو جدولتها بالكامل للتحرر من أعباء فوائدها وأقساطها خلال المرحلة الحرجة التى يمر بها اقتصادنا.
أوباما عرض مليار دولار أخرى مساعدات عاجلة لخدمة مشروعات الإسكان والبنية التحتية، وهو عرض يصب فى مصلحة الأجندة الحكومية التى تستهدف بناء مليون وحدة سكنية لمحدودى الدخل ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وهو قطاع يحتاج إلى ثورة فى التفكير والتطوير والتسويق، حتى تكون الأسرة المصرية فعلا أسرة منتجة من منزلها، ويتبقى دور الدولة فى إنشاء شركات التسويق لهذه الصناعات وضمها فى كيانات أكبر، ولنا فى التجربة الصينية المثل القريب والواضح.
أوباما عرض أيضا مليار دولار ضمانة لقروض ميسرة، فى الوقت الذى تسعى فيه مصر إلى الاستدانة بأى شكل من البنك الدولى وصندوق النقد، وأعتقد أن عرض أوباما سيسهل من فرص مصر للحصول على قروض دون شروط مجحفة، ويبقى دورنا نحن فى دفع الاتحاد الأوربى وكندا وروسيا مثلا إلى انتهاج نهج أوباما وتقديم حزمة مساعدات وضمانات للاقتصاد المصرى خلال المرحلة المقبلة.
أهم ما تضمنه خطاب أوباما من و جهة نظرى هو إعلانه وضع القدرات اللوجستية الأمريكية لتتبع رءوس الأموال التى خرجت من مصر، والمساعدة على استعادتها، وهذه معركة أخرى شاقة وطويلة، وجدنا فيها سندا قويا لا يجب أن نفرط فيه أو نستهين بما يملك من معلومات، على العكس من ذلك علينا التنسيق إلى أقصى مدى لكشف جميع الأرصدة والحسابات المصرية المنهوبة داخل أو خارج أمريكا، والاستناد إلى هذا الوعد الرئاسى المعلن لاستعادة ثرواتنا المسروقة، وهى بالتأكيد أكبر من أى مساعدات لم يتضمنها خطاب أوباما.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة