فجأة بدأ بعض الأشرار يتسابقون لكشف عوارت مصر، بدلاً من العمل الدءوب لتغطيتها وسترها وجعلها أجمل عروس كما كانت عبر التاريخ والجغرافيا معاً، قبل أن ينزع النظام السابق عنها رداء القوة والإرادة والإنتاجية.
إننا ندرك أن إعلان المجلس العسكرى عن ارتفاع نسبة الفقر إلى 70% وتآكل الاحتياطى المركزى خلال ستة أشهر لتصبح بعدها خزائن مصر خاوية، تحذيراً للشعب بضرورة العمل والإنتاج والكف عن المظاهرات الفئوية والدينية، وإيقاف محاولات لى ذراع الدولة لانتزاع حقوق ومصالح لفئات معينة.
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه: لماذا سمحت الدولة لكل من "هب ودب" أن يلوى ذراعها وينتزع ما يريد منها رغم أنفها؟ وبدلاً من أن تقوم الحكومة والمسئولون بواجبهم فى فرض هيبة الدولة وتطبيق أحكام القانون على الجميع، ركب العديد من المسئولين موجة التحذير من الإفلاس بعد عدة أشهر والتسول أمام دول العالم، حتى أصبح هذا التحذير بمثابة محاولة لإرهاب الناس من المجاعة التى تنتظرهم.
إذا كان هؤلاء المسئولون والزعماء الجدد الذين صعدوا على ظهر الثورة والمتحولون من العهد البائد لم يعرفوا الحلول لما تعيشه مصر الآن، فيجب عليهم التنحى والتوقف عن الخطابات الرنانة ومحاولات إرهاب الناس بالمجاعة.
إن استمرار الوضع على ما هو عليه يجعل الجميع يتساءل: هل أصبحت الدولة ضعيفة إلى هذا الحد الذى يجعل البلطجية تمارس مهامها جهاراً نهاراً، وأن يعطل الحياة كل من أراد أن يفتح كنيسة أو يبنى مسجدا؟، ولماذا لا تتدخل القوات المسلحة لفرض النظام وبسط الأمن فى الشارع؟
الجميع يعلم أن الجيش لديه مهمات أخرى لحماية الوطن ولكن الأمر يتطلب تدخل الجيش الآن لدعم الشرطة فى فرض النظام وإعادة هيبة الدولة، قبل أن تموت هذه الهيبة ويصبح عودتها للحياة صعب جداً؟ ولماذا لايتم إحالة ضباط الشرطة الذين لايرغبون فى العمل إلى التقاعد؟ ولماذا لا توجد خطة سريعة للإنقاذ الاقتصادى ومشاريع بعيدة المدى يبدأ التنفيذ فيها فورا، ولماذا لم يتم استغلال ثورة وحماس الشباب فى الإنتاج من خلال توفير مشاريع لهم ومنحهم أراضى للزراعة بشكل عاجل لتحقيق الاكتفاء الذاتى بدلاً من كشف العورات والتهديد بالموت بعد ستة أشهر؟ ولماذا يتم استخدام محاكمات النظام السابق فى تحقيق بعض الأغراض والمصالح الفئوية.
ولماذا تستمر الحكومة والمجلس العسكرى بالعمل وفق سياسة رد الفعل فى كثير من المواقف بدلاً من الفعل ذاته؟
أن هذه الاسئلة وغياب الحكومة الفاعل فى الشارع وتحول الشرطة من وحوش كاسرة فى العهد البائد إلى طيور ناعمة بعد الثورة جعل البعض يستغل مساحات الحرية التى أوجبتها الثورة المصرية بشكل سلبى، وظن البعض أن الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المصالح والمنافع سواء كان يستحقها أو لايستحقها.
إن غياب الشرطة عن القيام بواجبها الكامل وخوف الحكومة من المواجهة مع البعض، فتح الباب للبلطجية لكى تمارس مهامها بيسر وسهولة ومنح الفرصة للثورة المضادة تعبث بالوطن كيفما تشاء، كما استغل المتحولون من العهد البائد مساحات الحرية لنشر أفكارهم وممارسة سياسة التوجية والإرشاد على الشعب وكأنه قاصر وفى حاجة إلى كلماتهم، وأصبحوا يتحدثون وكأنهم ملائكة أطهار بالرغم أن أقلامهم ملوثة بالنفاق والرياء، كما اكتفى البعض بالنقد والأقوال بعيداً عن الأفعال.
إن استمرار الوضع على ماهو عليه يعزز منظومة البلطجية والثورة المضادة ويعيد الأمور إلى الخلف ونشر الكثير من السلوكيات السلبية.
ولكن يجب أن نعلم أن المسافة بين الانتقال من الأقوال إلى الأفعال كبيرة، ولكن قطعها يسير إذا وجدت الإرادة، والشخص المناسب، كما حدث مع الوزير نبيل العربى الذى أعاد الهيبة للدبلوماسية المصرية فى أقل من شهرين.
إن استمرار السياسة الرخوة التى تعيشها الحكومة والعمل بجلسات الصلح العرفية لحل الأزمات على حساب القانون سيعمل على استمرار المظاهرات الفئوية والدينية، ويؤجج الفتنة ويوقف العملية الإنتاجية ولن تفلح محاولات الدولة لإرهاب الناس بالمجاعة لوقف هذه الممارسات.
كما يجب أن تعلم الحكومة أن غياب القانون والاعتماد على جلسات الصلح فى حل قضايا هامة وخطيرة مثل تحويل مصنع إلى كنيسة دون ترخيص، والسماح لفئة معينة بالاستيلاء على مسجد وتحويله معقل لجماعة ما والإفراج عن أشخاص تحت تأثير المظاهرات والاعتصامات بالرغم من ارتكابهم للجرائم، لن يؤدى إلى استقرار الأوضاع وعودة الأمان للشارع لأن كل طرف سيشعر أنه مظلوم، ولكن الأخطر من ذلك أن الجميع سيشعر بغياب القانون وضعف الدولة وسيعمل على أخذ حقه رغم أنف الحكومة ويشجع الأخرين على أن يلوون ذراعها.
لقد حان الوقت للتحرك الفعال من قِبل الجيش والحكومة لقطع يد البلطجية والثورة المضادة وغيرهم من الأشرار الذين يتربصون بمصر ولايريدون الخير لها ولا نجاح ثورتها لأنهم اعتادوا على الفوضى والسرقة والرشوة ويدركون تماماً أن لامكان لهم فى دولة النظام والعدل والقانون.
إن المسئولين الذين يتحدثون عن الإفلاس يجب عليهم أن يعلمو أن الإنتاج والاستثمار يحتاج إلى فرض هيبة الدولة وتطبيق القانون، كما يجب أن يعلموا أن الثورة بريئة من تراجع الإنتاج والمطالب الفئوية والنزاعات الدينية، لأن ما تصدره مصر فى عهد النظام السابق طوال العام كان لا يعادل ما تصدره كوريا الجنوبية فى ثلاثة أيام.
إن الثورة فجرت الطاقات ولكن الحكومة والزعماء الجدد عجزوا عن كيفية استغلال هذه الطاقات حتى الآن، ولم يدركوا أن الأمر يحتاج إلى تخطيط وتنفيذ بدلاً من الشعارات وصراع الفضائيات والتهديد بالمجاعات واللجوء إلى الجلسات العرفية لحل المشاكل على حساب القانون.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة