التكرار بيعلم الشطار كما يقولون، والذكرى تنفع المؤمنين كما يقول المولى عز وجل، ولذلك دعنى أعيد عليك تلك الكلمات حتى تقوى بها إذا حاول أحدهم أن يقنعك بأنهم يستحقون العفو..
أنا أكره الرئيس.. ذلك حال القلب ياسيدى فلا تتهمنى بقلة الأدب أو سوء الحديث مع اللى أكبر منى، وبلاش تتهمنى بالأخيرة دى تحديدا لأن الوالد الله يرحمه علمنى أن الكبير كبير بأفعاله وأعماله، وأنت أدرى منى بأعمال الرئيس وإلى أى شىء تؤهله.
أنا أكره الرئيس لأنه لم يشعر حتى الآن بوجع أمهات الشهداء، ولم يسمع صرخات دمائهم وهى تروى أسفلت التحرير وأرض السويس برصاص رجال وزارة الداخلية، الذى رفع كعوب جزمهم فوق رؤسنا بقانون الطوارئ وصبغ كل الملفات السياسية بطابع أمنى، ولأنه لم يتذكر أن يعتذر لأهاليهم ولنا عن تلك الدماء التى سالت دون وجه حق، ولأنه لم يبكيهم ولم يطلب من كل أم أو كل ابن أو كل أب أو كل صديق أن يسامحه، ولأن قلبه لم يمتلئ بالوجع الكافى عليهم للدرجة التى تدفعه لاستضافة كل أمهاتهم وتقبيل أياديهم طلبا للغفران، ولأنه لم يعجل فى الاستجابة لمطالبهم قبل أن تعجل طلقات أجهزته الأمنية فى الخلاص منهم.
أنا أكره الرئيس لأنه لم يعرف أصلا أن هناك شهداء صعدت أرواحهم للسماء فى 25 و28 و29 يناير، ولو كان يعرف فسوف أضاعف كرهى لأنه عرف ولم يقدم عزاء سريعا واعتذارا أسرع، بل ولأنه لم يمنع حدوث ذلك إذا اتقى الله فينا وغير واتغير، وحارب الفساد ولم يفتح له الباب، ووضع أجهزة الأمن فى حجمها الطبيعى ولم يملقها بالقوانين الاستثنائية، كان فى استطاعته أن يمنع دم الشهداء من مغادرة شرايينهم لو لم يشهد عقد قران السلطة والمال، لو لم يخنق حرية التعبير، لو لم يمنح أحمد عز فرصة التكبر علينا والسخرية منا، ولجمال فرصة الحلم بإمتلاكنا، ولرجال الأعمال فرصة نهبنا، وللسياسيين فرصة الضحك على عقولنا.
أنا أكره الرئيس لأنه كان يملك حق حمايتنا من كل هذه الكوارث ولم يفعل ذلك، أنا أكره الرئيس لأنه تركهم يضعون صوره فى الميادين وهو يقف فخم وضخم، بينما شعب مصر بأهراماته وتاريخه يظهر صغيرا أسفل قدمه، أو تحت إبطه، أو فى حضنه إن كانت الصورة بالعرض مش بالطول.
أنا أكره الرئيس لأنه لم يحاسب الفاسدين ولصوص المال العام، بل ولأنه كان يمنحهم ترقيات وقربا غير مفهومين، أنا أكرهه لأنه لم يبك حينما غرقت العبارة وطفت مئات الجثث على سطح المياه بوجوه مذعورة، ولأنه لم يدمع أو يصرخ حينما طلت جثث المواطنين المصريين محروقة ومتفحمة من داخل شبابيك قطار الصعيد، ولأنه لم يصب باكتئاب بسبب المصابين بالفشل الكلوى والسرطان و"الفيروس سى" الذين يقفون بالطوابير أمام مستشفيات يقتلهم إهمالها قبل أن يقتلهم المرض نفسه، ولأنه لم يعترف يوما أنه نام مرة بدون عشاء تضامنا مع الآلاف من أبناء شعبه الذين تمر أيامهم دون الحصول على وجبة واحدة، ولأنه لم يغضب من وزرائه أو حكومته، حينما طالت طوابير الخبز والأنابيب والتموين، بل ولأنه كان يظهر على الشاشات وملامح وجهه مرتاحه وراضية وتقول بأنه لا يعرف شيئا.
أنا أكره الرئيس لأنه تركهم يعلموننا ونحن صغار أنه "بابا" والسيدة زوجته "ماما"، وتركهم يؤلفون أغانى بهذا المعنى، نرددها فى الحفلات ويكرر التلفزيون إذاعتها بمناسبة وبدون مناسبة، وظللنا نحن نراعى تلك الصلة التى صنعتها الأغانى، حتى كبرنا وفهمنا أنه لا يوجد أب يخنق مستقبل أولاده، ولا يوجد أب يترك وزيرا يغذى طعامهم بالمبيدات المسرطنة، وآخر يسرق أرضهم وورث أجدادهم.
باختصار أنا أكرهه لأنه لا يوجد أب أو حتى زوج أم يقتل أولاده برصاص الغدر وهم يقفون صفا واحدا، للمطالبة بحقهم فى الكرامة دون أن يعتقدوا للحظة واحدة أنه قد يدفعون حياتهم ثمنا لهتاف.. الشعب يريد إسقاط النظام.