عند البعض قناعة بأن ثورة 25 يناير الشعبية العظيمة لم تكن ثورة كل المصريين، وإنما قام بها مجموعة صغيرة من الشباب القاهريين تحديداً، وهؤلاء وحدهم القادرون على توجيه مصير بلد بحجم مصر!
عند البعض قناعة جاهزة لإنكار مجموعة العوامل الضخمة التى أدت إلى الانفجار الكبير فى 25 يناير، وما تلاه من أيام مجيدة، ومن ثم إنكار واختزال كل المشاركين فيه من السويس إلى أسوان مروراً بالإسكندرية ، فى مجموعات اتخذت من الثورة مسمى وشعاراً لممارسة الجدل السياسى، وأحياناً الاستبداد المرفوض والغوغائية البغيضة.
عند البعض قناعة جاهزة بناء على نقص حاد فى المعطيات والخبرات، أن ما حدث فى 25 يناير يمكن أن يتكرر بحذافيره كلما خرجت مجموعة من الشباب، معلنين رفضهم الواقع، وهذا ما أسميه "بلاى ستيشن الثورة"! فالثورة المصرية التى شارك فيها كل فئات الشعب ليحققوا فى لحظة قدرية انتصاراً سلمياً مدوياً على نظام ديكتاتورى أمنى راسخ، ليست مجرد "جيم" يمكن أن تبدأه من جديد كلما فتحت جهاز اللاب توب الخاص بك، لا ، إنها روح وإرادة جماعية، وليست مجرد الخروج للتحرير أو لأى ميدان آخر بالمحافظات.
علينا أن نسأل أنفسنا الآن بصراحة، ونحن نتلقى الدعوات للثورة المصرية الثانية يوم الجمعة المقبل، أين ذهبت روح ثورة 25 يناير؟ وهل كل ما نعرفه عن الثورة أن ننزل ميدان التحرير ونمسك الميكروفون ونقول كلاماً حماسياً لا يحاسبنا عليه أحد ولا نحاسب نحن أنفسنا عليه؟
روح ثورة 25 يناير كانت فى الانقلاب الشعبى على حكم فرعونى راسخ استطاع قهر الشخصية المصرية على مدى عقود، وارتكب جريمة إفقارها وتقزيمها مع سبق الإصرار والترصد، حتى وصل بها الأمر إلى أن تمارس العنف تجاه نفسها، مرة بالتحقير ومرة بالعنف المادى الملموس، لذلك كانت عظمة الثورة فى رفضها كل الكليشيهات والنظريات الفاسدة عن خنوع الشخصية المصرية ، وإعلانها عن الجوهر الحقيقى لهذه الشخصية بمواجهة حاسمة مع الديكتاتور، وعندما تكون المواجهة حاسمة بين الشعب والحاكم لابد أن ينتصر الشعب، وأن ينهار الحاكم ونظامه.
روح ثورة 25 يناير ليست الآن فى موضع الانتفاض والتظاهر والهدم ليست فى معنى أن أطلق النار على قدمى، لكنها فى مربع البناء والتكافل والتوحد والانطلاق نحو المستقبل، وهى فى الوعى الواضح بكل هذا بمعنى أنها ضد كل من وما يدعو للهدم و"الأنامالية" والفرقة والهروب إلى الماضى، وإذا لم يكن هذا المفهوم واضحاً فى أذهاننا، فهناك خطأ جسيم أدعو الله أن يساعدنا لنعمل جميعاً على إنقاذ أنفسنا منه.