د. فتحى حسين

لا للعفو عن مبارك!

الخميس، 26 مايو 2011 02:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد أغضبنى ما سمعته فى الفترات الأخيرة عن دعوات كثيرة تطلب العفو عن الرئيس السابق وأسرته، وقبول اعتذاره من قبل الشعب المصرى, على ما ارتكبه من جرائم فى حق الشعب طوال 30 عاماً, وما أحدثه من فساد سياسى وإفساد اجتماعى متعدد لا يمكن حصره فى هذا الصدد لكثرته وتنوعه, وتعجبت من إثارة هذه الدعوة فى هذا التوقيت بالتحديد الملىء بالتوتر والانفلات الأمنى والمطالب الفئوية, والاعتصامات والاضطرابات فى نواح كثيرة وغيرها من المظاهر السيئة.

وكان هناك تقرير قد نشر عن اعتزام مبارك توجيه خطاب صوتى يعتذر فيه للمصريين، ويعلن فيه التنازل عن ممتلكاته تمهيدا لطلب العفو، وتزامن نشر الخبر مع صدور قرار فى اليوم نفسه بالإفراج عن سوزان مبارك زوجة الرئيس السابق بعد تنازلها عن كافة أرصدتها فى المصارف المصرية للدولة.

وأدى هذا التزامن إلى شعور المصريين باتجاه نحو إعفاء رموز النظام السابق من المحاكمة، مما أثار حفيظة كافة أطياف الشعب المصرى، وجعلهم يخرجون فى ثورة عارمة يوم الجمعة الماضية فى ميدان التحرير, وأعقب تداول تلك التقارير جدلاً واسعاً حول فكرة العفو ومدى قانونيتها، إلا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفى نيته العفو عن مبارك، وأكد أنه "لا يتدخل بصورة أو أخرى فى الإجراءات القانونية الخاصة بمحاسبة رموز النظام السابق، وأن هذه الإجراءات خاضعة للقضاء المصرى", ودعا المجلس للحذر من الأخبار والشائعات المغرضة التى تهدف إلى إحداث الانقسام والوقيعة بين الشعب ودرعه اللذين لا يمكن فصلهما أبدا.

فقد تباينت الآراء حول طرح فكرة العفو عن الرئيس السابق, ففيما أيد أحدهم قانونيتها، مشترطًا تقدمه بطلب العفو عنه بعد إدانته، أو اعترافه بالتهم والجرائم المنسوبة إليه، رفض آخر فكرة العفو عنه؛ من حيث المبدأ؛ انطلاقًا من توصيفه لجرائم مبارك بأنها تمس الأمن القومى لمصر، فيما لم يمانع ثالث من قبول العفو عن مبارك فى جرائم الفساد المالى؛ حال رده كل الأموال التى حصل عليها بطرق غير مشروعة، وإن رفض البتة فكرة العفو عنه فى جرائم الدم التى يرجع الحق فيها لأسر الشهداء والجرحى دون غيرهم، إلا أن الخبراء حذروا من أن طرح فكرة العفو عن مبارك فى هذا التوقيت من شأنه أن يثير الفوضى، وينشر الفتن التى لا يقف خلفها سوى فلول النظام السابق أو الثورة المضادة, أو جهات أجنبية أو عربية لا تريد لمصر الاستقرار وإنما الفوضى وفشل الثورة, ولا تريد أن يكون مبدأ محاكمة رئيس دولة عربية كبير مثل مصر هو مبدأ ثابت أو سابقة يمكن أن تطبق فى دول عربية أخرى يحكمها ديكتاتوريون آخرون لمدة عقود طويلة مثل السعودية والأردن واليمن والبحرين والكويت وليبيا وغيرها.

وأرى أنه لابد من محاكمة مبارك وأفراد أسرته محاكمة عادلة، ولا نفكر فى الالتفاف على القانون والعدالة الاجتماعية فى تنفيذ القانون واحترام سيادته، وتطبيقه، لأن ذلك سوف يعطى الشرعية لأى حاكم قادم لكى يسرق وينهب ويفسد ويقتل ويعذب، ثم يطلب عفو الشعب بعدها، الأمر الذى يفسد معنى الثورة تماما ويفرغها من مضمونها، ويجعل هناك ديمقراطية شكلية كما كانت من قبل، ولا فيها مكان للقانون وسيادته وإنما للفهلولة والشطارة والمحسوبية والرشوة – إن جاز التعبير – وغيرها من القيم الفاسدة التى اعتقدنا أنها تلاشت بفعل الثورة, إلا أننا فوجئنا بوجودها الآن مع دعوات العفو عن مبارك وأسرته.. فلا ينبغى نسيان دماء الشهداء فى الثورة المجيدة وأمهاتهم وأسراهم وأطفالهم الذين حُرموا منهم دون سبب, ولا ينبغى نسيان أمراض السرطان والفشل الكلوى والكبد الوبائى التى غزت أجسادنا فى طوال العقود الماضية، وإلى الآن كما يغزو المصارع منافسه, ولا ينبغى نسيان موت آلاف من الشباب فى مغامرات الهجرة غير المحسوبة لطلب الرزق فى بلاد الله هروبا من جحيم البطالة والفقر والضياع فى عصر الرئيس السابق, ولا ينبغى نسيان آلاف الذين ماتوا فى عبارة السلام 98 دون ذنب، وآلاّف الذين ماتوا تحت صخرة الدويقة الشهيرة التى لم ترحم فقرهم المدقع وحياتهم البائسة الأقرب إلى الحيوانية, وهناك آلاّف من الأفدنة التى استولى عليها المحاسيب فى عصرنا مجانا، وأضاعت على مصر ما يزيد على تريليون جنيه هى حق للأجيال السابقة والحالية والقادمة, فلا مناص من المحاكمة لأن هذا حق لابد أن يتبع.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة