د. إبراهيم على العسيرى

الوطن واحد والشعب واحد فلم الصراع؟

الجمعة، 27 مايو 2011 07:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الوطن واحد والشعب واحد والمصير واحد والهدف واحد والرب واحد، فلم الصراع ولم التصادم ولم لا يتفرغ الجميع للعمل لبناء مصر قوية آمنة مطمئنة تعيش فى سلام ورخاء؟.

شاءت سنة الله فى الخلق أن تختلف الأمم فى الثقافات والأعراف والحضارات، وهذا أمر واقع لابد من الإقرار به والتعايش معه، وهو حقيقة قائمة وسنة من سنن الحياة كما فى قوله تعالى فى سورة هود آية 118 }وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{ وقوله تعالى فى سورة الروم آية 22 }وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ{.
على أن هذا الاختلاف يجب أن يكون دافعا للتعاون والتقارب وليس سببا للصراع والتصادم، وذلك مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الحجرات آية 13}يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{. وعليه فإنى لست مع القائلين بنظرية صراع الحضارات كما جاء فى كتاب هنتجتون، ولكنى على يقين بجدوى وفاعلية تعاون الحضارات على إختلافها وتباينها.

وكما تختلف الأمم يختلف أيضا الأفراد فى إطار الأمة الواحدة أو الشعب الواحد أو الحضارة الواحدة وهذا الاختلاف يشمل الاختلافات الجسمية والطبيعية، كما يشمل أيضا الاختلافات الاخلاقية والعقائدية.

وسبحان الله الذى خلق كل إنسان متفرداً ببصمة إصبع وبصمة عين وبصمة صوت وبصمة حمض نووى وغيرها، مما لا يشترك معه فيها أى إنسان آخر فى مكان آخر أو زمان آخر، وكما يلزم أن يكون اختلاف الأمم دافعا للتعاون والتقارب وليس سببا للصراع والتصادم فإن اختلاف الأفراد أيضا يجب أن يكون دافعا للتعاون والتسامح والمحبة، وليس سببا للعدوان والمشاحنات والعصبية وذلك مصداقا لقول الله تعالى فى سورة فصلت الآية 34 }وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ{ وقوله تعالى فى سورة النحل آية 125 } ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{وقول المسيح عليه السلام(فى إنجيل متى رقم 5/43- 44 ) " سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك وأما أنا فأقول لكم أحبو أعداءكم، وباركو لاعنيكم وأحسنو إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السموات".


مما سبق يتضح لنا أن نظرية الاختلاف قائمة على عمومها بين الأمم والحضارات، كما أنها قائمة بين أفراد الأمة الواحدة وما ذلك إلا لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى وهى تعميق التعاون والتعارف والتقارب بين الحضارات المختلفة وبين الأفراد المختلفين.

فاختلاف الأمم فى تقدمها العلمى وفى ثرواتها الطبيعية وفى إمكانياتها الصناعية والزراعية وغيرها هو أدعى للتعاون بينها ليكمل كل منها الآخر وبذلك يتحقق الرخاء الشامل والسلام الكامل بين الأمم.

واختلاف الأفراد فى إمكانياتهم المادية والمهنية والعلمية والجسمية والصحية هو أيضا أدعى للتعاون بينهم ليكمل كل منهم الآخر وبذلك أيضا يتحقق الرخاء الشامل والسلام الكامل بين أفراد الأمة الواحدة.

ننتقل الآن إلى خصوص اختلاف الأديان، خلق الله الكون على مبدأ التسليم الكامل والعبودية الكاملة لله سبحانه وتعالى وهو القائل فى كتابه الكريم سورة الإسراء آية 44 }تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا{. وخلق الإنسان وكرمه دون سائر المخلوقات بنعمة الاختيار ومنها اختيار ما يؤمن به من عقيدة... فهذا مسلم وهذا مسيحى وهذا يهودى وهذا بوذى وذلك هندوسى... وشاء الله عدم إكراه أى من خلقه على دين معين أو عقيدة معينة وهو القائل فى كتابه فى سورة البقرة أية 256 } لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَى ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{.
وكما شرع الله اختلاف الأمم فى ألسنتها وثقافتها وشرع اختلاف الأفراد فى طبيعتهم وألوانهم وقدراتهم شرع الله أيضا اختلاف الأفراد فى عقيدتهم وديانتهم ويقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة الآية 48 }... لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ{. ومعنى ذلك أنه لا يحق لأمة أن تلعن أختها وتفترض أنها هى فقط التى على الحق والصواب وما دونها باطل وخطأ... كما لا يحق لفرد مهما كانت ديانته أن يفترض أنه هو فقط على الحق والصواب ومن ليس على دينه فهو فى ضلال ومنحرف عن الصواب، فالله وحده هو الذى يحكم فى هذا الاختلاف وهو القائل فى سورة الشورى آية 10 } وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{، بل على العكس فرض الله على الأمم أن تتعاون على البر والتقوى وخير البشرية مع اختلافها فى الأديان.

وعليه فلنذكر دعوة الله لمن يتبعون منهجه الى المودة والتراحم بين أفراد الشعب الواحد على اختلاف مذاهبه وعقائده وبين أفراد الشعوب المختلفة على اختلاف مذاهبها وعقائدها، ويبدو ذلك جليا فى قوله تعالى فى سورة المائدة آية 48 }لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ{.
وخلاصة القول، إن الأديان جميعها وإن اختلفت فى العقيدة (وهى تختص بعلاقة الفرد بربه) فإنها جميعا لا تختلف فى الأخلاقيات (وهى تختص بعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان)، جميع الأديان تدعو إلى التسامح والتعاون والمحبة وحسن معاملة الجار وتدعو إلى عدم القتل وعدم الزنى وعدم السرقة وعدم الكذب وعدم السب...

فتعالوا جميعا نتفق على ما اتفقت فيه الأديان جميعها من أخلاق وتسامح وتعاون ومحبة وندع ما تختلف فيه الأديان من عقيدة فهى من شأن الفرد مع ربه يحكم فيها الله كما يشاء وقت ما يشاء ومكان ما يشاء. وليكن شعارنا أن إختلاف الأديان فى العقائد هو من شأن الفرد وربه، أما اتفاق الأديان فى الأخلاقيات فهو ما يعنينا كمجتمع واحد وكوطن واحد.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة