لماذا تصر النخبة المثقفة على التحرك وفق المعادلة التى أرساها نظام مبارك "قولوا أنتم ما تريدون ولنفعل نحن ما نريد"؟ تسألنى ولم تضيف اتهاماً إلى الاتهامات التى توجه بالخطأ للنخبة المثقفة؟
أقول لأن هذه النخبة المشار إليها هى التى تقود الرأى العام وتحدد مساراته فى مختلف وسائل الإعلام، وقد اختارت هذه النخبة الجدل السياسى حول قضايا يمكن أن ُتحسم ونحن نبنى مصرنا الجديدة، دون حاجة لكل هذا القدر من الخلاف والاختلاف والشقاق، حتى أصبحنا وكأننا لن نعمل أو نتحرك قبل حسم هذه القضايا وفى مقدمتها هل نجرى الانتخابات البرلمانية أولاً أم نضع دستوراً جديداً، وهل تسبق الانتخابات البرلمانية نظيرتها الرئاسية أم العكس، وهل من الضرورى أن يعود الجيش إلى ثكناته وأن نشكل مجلساً رئاسياً أم يستمر المجلس العسكرى فى إدارة شئون البلاد حتى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية؟
كل برامج التوك شو وصفحات الرأى فى الصحف تعمل مثل ماكينة الطحين على مكونات هذا الجدل السياسى، الأمر الذى خلق حالة من الاحتقان بين أصحاب الآراء المختلفة وممثلى الفصائل السياسية وصل إلى التشكيك فى نوايا المجلس العسكرى الذى يدير البلاد وكأنه يريد القفز على السلطة، الأمر الذى دفعنا جميعاً بما فى ذلك المجلس العسكرى إلى الانتقال من مربع العمل إلى خانة نفى الاتهامات، ودخلنا فى محنة جدلية مصطنعة أشبة بمحنة خلق القرآن التى أضرت بالأمة الإسلامية أبلغ الضرر فى عصرها الذهبى!
خروجاً على هذه الحالة من الجدل السياسى، وتأكيداً على فكرة العمل أسبق من الكلام فى هذه المرحلة ، أدعو المجلس العسكرى وحكومة الدكتور شرف إلى تخصيص جانب من المساعدات العاجلة التى تقدمت بها أطراف غربية وعربية لمصر إلى إطلاق المشروع القومى لتعمير سيناء، ليس من خلال التلفزيون ووسائل الإعلام ولكن عبر مجموعة إجراءات فعلية على الأرض، أولها استحداث وزارة لـ سيناء فوراً تكون مهمتها جمع كل البرامج التنموية والمشاريع المتعلقة بهذا الجزء الحيوى من الوطن وكذلك انتداب الخبراء والمتخصصين للبدء فورا فى مشروعات زراعية وصناعية وإعادة توطين السكان فى هذا الجزء الغالى من أرضنا.
الأفكار بخصوص سيناء كثيرة والخبراء عديدون، وأعتقد أن أحدهم السفير محمد بسيونى سفيرنا السابق فى إسرائيل الذى يضع يديه على ملف كامل موثق بالخرائط والمعلومات والبيانات يمكن أن يرتب أولويات برنامج تعمير سيناء، كما أن هناك الكثير من الأفكار الخلاقة الأخرى الذى تقدم بها الخبراء وأولها تعلم الدرس من إسرائيل وكيف استوطنت المناطق الصحراء فى فلسطين المحتلة عبر إنشاء المزارع الصغيرة المتباعدة "الكيبوتس" مع العمل تدريجياً على الربط بينها بشبكة طرق ومصانع للتغليف والتعبئة وشركات للتسويق، ولدينا مشروعان يصلحان لبداية نهضة زراعية وصناعية وإنشاء مجتمعات جديدة فى سيناء ،الأول نقل وتوطين أشجار زيت النخيل وزراعته على نطاق واسع فى صحراء سيناء والثانى التوسع فى زراعة الزيتون عبر مزارع نموذجية مرتبطة بخطوط لإنتاج الزيوت وشركات التصدير.
المشروع الأول كان نقطة انطلاق ماليزيا مهاتير محمد إلى آفاق النهضة الزراعية والصناعية والثانى يمكن أن يكون وسيلة لاستيعاب قبائل بدو سيناء فى مشروعات على أرضهم بدل أن يكونوا شوكة فى خاصرتنا على الدوام.
مع هذه المزارع الصغيرة التى هى نواة لمجتمعات صناعية يمكن تحقيق الحلم بزراعة سيناء بالبشر عبر فتح باب التطوع لشباب الخريجين والعاطلين ،للعمل والإقامة فى هذه المزارع وما يلحق بها من مجتمعات صناعية صغيرة، ورأينا جميعاً كيف سارع شباب ثورة 25 يناير إلى رفع القمامة من الشوارع وتجميل الأسوار والكبارى، هؤلاء الشباب أنفسهم هم طلائع تعمير سيناء يمكن أن تستفيدوا بطاقتهم غير المحدودة أيها السادة أصحاب القرار.
إذا وضعنا قيد التنفيذ ،جوار ما سبق، مشروع الجسر الرابط بين جنوب سيناء والسعودية، يمكن أن نخلق بذلك نهضة كبرى على مستوى صناعة النقل وحركة البضائع وتسهيل قدوم السائحين العرب إلى سيناء، وكذلك الربط المنشود بين مختلف الأقطار العربية عبر مصر.
من هنا أدعو زملائى فى برامج التوك شو إلى استبدال الأفكار الخاصة بالعمل وبرامج الإنتاج بالأخرى المتعلقة، بطق الحنك والجدل السياسى، لأن الموضوع ببساطة أننا لو شرعنا فى العمل وفق تخطيط يستوعب طاقات وأحلام المصريين سنعبر هذه الخلافات السياسية بسرعة ،انطلاقاً من الثوابت التى تحققت بفضل ثورة 25 يناير وأولها لا فرعون بعد اليوم!.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة