لم تكن الرياضة ولا كرة القدم أبداً وسيلة للإفساد والشغب والإيذاء.. ولن تكون.
وما حدث من شغب فى ملعب القاهرة الدولى فى نهاية مباراة الزمالك والأفريقى التونسى فى دورى أبطال أفريقيا لكرة القدم.. وما تبعه الجمعة الماضى فى بورسعيد من أحداث عنف وإصابات واضطهاد لمجموعة من المشجعين المسالمين القادمين من القاهرة لتشجيع فريقهم- يمثل انفلاتا خطيرا فى المجتمع المصرى أمنيا قبل أن يكون رياضياً.
وهو أمر يهدد وحدة الوطن وسلامته قبل أن يمثل شغباً أو خروجاً عن الروح الرياضية.
وإذا كان عدد من المسؤولين متمسكين باستمرار النشاط الكروى وإلهاء الشغب فى مباريات الدورى العام ومنافسة الأهلى والزمالك فإنهم سيكونون أول من يدفع الثمن إذا اشتعلت الأمور.
وهى بدأت بالفعل فى الاشتعال.
والخطر قادم بكل تأكيد فى المراحل المقبلة عندما تزيد الأمور اشتعالاً وتلتقى الأندية أصحاب الجماهيرية الكبيرة، لاسيما فى القاهرة والإسماعيلية والإسكندرية وبورسعيد.. وما بدأ فى بورسعيد سيؤدى إلى تفاقم كبير فى ردود الأفعال والرغبة فى الانتقام من أنصار الأهلى عندما تأتى جماهير بورسعيد إلى القاهرة حتى ولو كانت مبارياتها ضد فرق أخرى مثل الإنتاج الحربى.. كما أن مباريات الناديين فى السنوات المقبلة ستتحول إلى بؤرة تأجج فى أى مكان وزمان.
الأمور تشير إلى أن قرار استكمال بطولة الدورى العام قبل استعادة الشرطة لعافيتها الكاملة كان قراراً خاطئاً وخطيراً.. ولعبت فيه المصالح دوراً رئيسياً سواء من مسؤولين يبحثون أولاً عن إبعاد الشعب عن الاهتمامات السياسية ومحاكمة رموز الفساد تمهيداً لتخفيف الأحكام على بعضهم أو تمرير الفساد بلا عقاب عن آخرين.. وثانياً من مسؤولين رياضيين يريدون فقط البقاء فى أماكنهم عن طريق سريان النشاط وإثبات الوجود وتقديم المساعدات المالية إلى الأندية للحصول على دعمها.. وعلى رأسهم حسن صقر رئيس المجلس القومى للرياضة وسمير زاهر رئيس اتحاد الكرة وعدد آخر من رؤساء الأندية.. وثالثا من مجموعة محددة ومحدودة من أصحاب القنوات والمؤسسات الرياضية والإعلانية ومن الإعلاميين المستفيدين من عملهم المتعلق بكرة القدم وبطولة الدورى.
هؤلاء على اختلاف طوائفهم اجتمعوا نحو هدف واحد هو إعادة الدورى وتمرير المسابقة وتسيير المباريات، بغض النظر عن المخاطر والأهوال التى تحيط بها.. وكانت حادثة الجبلاية فى شغب مباراة الزمالك والأفريقى هى الباكورة، ثم اندلعت أكبر أعمال العنف فى بورسعيد وأشعلت ناراً وتركت تارا.. واكتملت الصورة القبيحة بما تعرضت له حافلة الأهلى على الطريق السريع من اعتداءات قذرة من مشاغبين أمام الإسماعيلية.
ولا يزال هؤلاء المنتفعون من مباريات كرة القدم متمسكين باستمرار بطولة الدورى حتى ولو انتهى الأمر بسقوط ضحايا أبرياء فى ساحة الرياضة الشريفة.
الأمر الأكثر مرارة أنه لا يوجد الآن فى إدارات الأندية الرياضية جميعاً من هو قادر على الوقوف أمام هذا التيار الفاسد أو المفسد.. والكل خائفون ومرتعدون من المصير الذى ينتظرهم فى حالة وقوفهم أمام التيار والإعلان الصريح عن عدم استمرارهم فى تلك التمثيلية المحفوفة بالأخطار.
وكانت البداية مع مجلس إدارة النادى الأهلى الذى تخاذل بشكل رهيب فى مواجهة الاعتداءات التى تعرض لها فريقه ليلة المباراة فى فندقه فى بورسعيد ثم ما نالته جماهير القاهرة التى اتجهت فى قطار إلى بورسعيد وعاد كثيرون منهم مربوطين بالشاش.. ورغم ذلك لم نسمع ولم نقرأ أى بيان رسمى أو رد فعل محترم أو قوى من تلك الإدارة الغافلة النائمة التى لا تستحق أبداً البقاء فى مكانها ولو ليوم واحد.
والأهلى ليس النموذج الوحيد فى الخوف وعدم الوقوف أمام الانحرافات المنتشرة فى الرياضة وفى الكرة المصرية.. ولكن الأغلبية من إدارات الأندية تفعل نفس التخاذل للبقاء فى أماكنها بعيدا عن الضجيج أو وجع الدماغ.
من المؤكد أن انتشار القوات المسلحة ورجال الشرطة سيزيد إلى عدة أضعاف فى مباراة الإسماعيلى والزمالك يوم الثلاثاء فى الإسماعيلية.. وسيحاول الطرفان التأكيد على قدرتهما على إحكام الأمان فى مباريات الدورى العام.. ولكن الأمر ليس مباراة واحدة يمكن إحكامها او تأمينها لأن جماهير الأهلى فى القاهرة لن تكون هادئة أبداً فى مباراتها ضد الجونة.. والخطر محدق من مواجهات فى حال حدوث أى احتكاك أو استفزاز، كما أن بؤرة لهب تنتظر الجميع فى الإسكندرية عندما يذهب المصرى فى اليوم نفسه إلى قلعة الاتحاد.. ولن ترضى جماهير الاسكندرية بغير الفوز بديلا والعواقب وخيمة إذا خرجت النتيجة على غير هوى الجماهير.
وغير خاف على أحد أن عدداً من المواجهات فى الأسابيع التالية ستكون أقرب إلى المواقع الحربية لاسيما مباراة الأهلى والإسماعيلى فى القاهرة والاتحاد والزمالك فى الإسكندرية، بالإضافة لمعركة بورسعيد بين المصرى والزمالك وأخرى مماثلة للمصرى فى الإسماعيلية.
المارد المشاغب الذى ظل محبوساً فى القمقم طويلاً خرج متمرداً مستغلاً الانفلات الأمنى الواسع فى الشارع.. ووجد فى مباريات كرة القدم فرصة نادرة لإشاعة الشغب والفوضى والإصابات والتحطيم.
احذروا.. وأقولها للمرة العاشرة..
كرة القدم فى خدمة الشغب.