فى 10 أبريل الماضى خرج علينا الرئيس السابق حسنى مبارك فى أول تسجيل صوتى له عقب قرار التنحى عن رئاسة الجمهورية بـ59 يوماً، ليؤكد فى التسجيل الذى لم تزد مدته على 6 دقائق نزاهته وعدم امتلاكه وأسرته أى أصول نقدية أو عقارية أو غيرها من ممتلكات بالخارج.
ذلك التسجيل- بحسب ما قال المحللون وقتها- محاولة من السعودية لمساعدة مبارك على التأثير مرة ثانية فى الشعب المصرى وكسب استعطافه، خاصة أن تلك المحاولة جاءت عبر قناة «العربية» المملوكة للسعودية، وليس عبر أى قنوات أخرى، وهو ما دفع الآلاف من النشطاء على الموقع الاجتماعى «الفيس بوك» إلى مقاطعة قناة «العربية»، ومنعها من البث بالقاهرة لأنها تفتح الطريق للسعودية للعبث بالأمن الداخلى للبلاد، انطلاقاً من خلفية تاريخية لعلاقة طويلة تربط مبارك والعاهل السعودى.
من هنا بدأ الحديث يتردد بقوة عن الدور الخفى لدول الخليج التى تربطها علاقة قوية بمبارك، وتحديداً السعودية، فى النجاة به وأسرته من طوفان الثورة المصرية، خاصة أن المعلومات التى تسربت من اجتماعات المجلس العسكرى وقتها كشفت عن تلقى مصر عروضاً من الدول الخليجية لتقديم مساعدات مالية كبيرة مقابل عدم التحقيق مع مبارك، غير أن تلك العروض لم تلق استجابة من المجلس العسكرى، واتخذ النائب العام المصرى أولى خطواته الجدية نحو التحقيقات مع آل مبارك، بأن أصدر بياناً فى نفس يوم التسجيل الصوتى لمبارك، أكد فيه استدعاءه وابنيه للتحقيق فى وقائع قتل المتظاهرين فى ثورة 25 يناير، ووقائع أخرى تتعلق بالاستيلاء على المال العام، واستغلال النفوذ، والحصول على عمولات ومنافع من صفقات مختلفة.
20 يوما مرت على تسجيل مبارك الصوتى بقناة «العربية» والتحقيقات المتواصلة معه بالنيابة العامة وجهاز الكسب غير المشروع لم تكشف عن امتلاكه أبنيه أو عقارات أو ممتلكات بالخارج، حتى جاء يوم الجمعة 30 أبريل ليفضح كذب مبارك بإعلان الأجهزة الرقابية توصلها لمعلومات هامة بشأن امتلاكه سلسلة فنادق بمنطقة السلام بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 300 مليون ريال سعودى.
المفاجأة هنا ليست فضيحة مبارك بأنه «كذاب» بحيث يقول فى التسجيل الصوتى عكس ما لديه على أرض الواقع، فهذا معتاد، إنما المفاجأة هى أن تكون ممتلكات مبارك فى الخارج موجودة فى السعودية، بما يعكس قوة جسر التواصل والمودة بين مبارك وآل سعود طيلة حكمه للدرجة التى دفعته لاستثمار أمواله فى المملكة، وليس فى أى دول أوروبية قد تأتى بربح أكثر.
دلائل تلك العلاقة القوية بين مبارك وآل سعود تجسدت تاريخيا فى عدد من المواقف والمشاهد بين بلاط القصر الرئاسى المصرى والديوان الملكى السعودى، تلقى فيها مبارك المئات من الهدايا القيمة طيلة الـ30 عاماً التى قضاها على كرسى الحكم فى مصر.
العاهل السعودى قدم لمبارك هدايا بأصناف وأنواع مختلفة بين مجوهرات كريمة وساعات روليكس مكتوب عليها اسم مبارك بمياه الذهب، فالملك عبدالله هو أول من أهدى مبارك سيفاً من الذهب الخالص مرصعا بالأحجار الكريمة تمت صناعته خصيصاً لمبارك، ووضع ذلك السيف فى «جراب» مطلى بمياه الذهب، ويحمل شعار المملكة العربية السعودية «سيفين ونخلة» تصل قيمته لأكثر من 30 مليون دولار.
قائمة هدايا العاهل السعودى لمبارك قصة طريفة، ففى أحد الأيام أهدى العاهل السعودى لمبارك قطعة قماش كبيرة غير متوفرة فى الأسواق، ولا تنسج إلا بمصنع واحد فقط بإحدى الدول الأوروبية، وقال له العاهل السعودى وقتها: «تلك قطعة قماش نادرة أعطها للترزى الخاص بك لكى يفصل لك بدلة»، وبالفعل أعطى مبارك قطعة القماش إلى مصمم أزيائه الخاص وهو مصرى يقيم فى مدينة بورسعيد، ويمتلك بيت أزياء شهيراً فى باريس.
أما فى عهد الملك فهد بن عبدالعزيز فكان أول من يرسل هدية السجاد الشيرازى، وهو أفخم أنواع السجاد الذى تزين به الحوائط بقصر عابدين وتصل قيمته إلى 150 ألف دولار، وهو السجاد الذى تحبذه سوزان مبارك، وتحرص على فرشه بجميع القصور والفيلات التى يقيمون بها، كما أهدى الملك عبدالله منذ عامين للحكومة المصرية عبّارتين تبلغ قيمة كل منهما 900 مليون دولار أمريكى، حسبما أعلنت الصحف السعودية عام 2009 فى زيارة للرئيس مبارك للمملكة العربية السعودية.
ولم يفوّت جمال مبارك تلك الهدايا، فقد حصل على «نقوط» فى «سبوع» ابنته فريدة بقيمة مليار و200 مليون جنيه، والجدير بالذكر أن السعودية هى الأكثر سخاء بين جميع الدول فى منح الهدايا لمبارك، فقد أعطت باراك أوباما وزوجته فى 2009 هدايا بقيمة 34 ألفا و500 دولار، وبقيمة 146 ألفا و200 دولار للسيدة الأمريكية الأولى ميشيل، وبقيمة 7275 دولارا لابنتيهما ساشا وماليا، كما قدم الملك السعودى هدايا بقيمة 108 آلاف و245 دولاراً لموظفى البيت الأبيض، وبقيمة 23 ألفاً و400 دولار لمترجم دبلوماسى كبير، وهدايا بقيمة 12 ألف دولار للقائم بالأعمال الأمريكى فى الرياض.