حريق كنيسة إمبابة، فصل جديد من حرب أهلية تتشكل، وتضاف إلى حالة عصيان تستمر بلا اتجاه غير الرغبة فى التسلط وفرض الرأى، ولم تعد المسكنات تنفع لمواجهة هذا التمرد الغريب الذى أصبحت تمارسه فئات كانت تقاوم التغيير وترضى حالة الظلم السائدة، وترفض التغيير وتعتبر الخروج على الحاكم كفرا أو تخريبا.
كل هؤلاء أصبحوا يمارسون ابتزازا للحكومة التى تسعى لمناقشتهم فيفرضون رأيهم فى اتجاه واحد، حتى لو كان السلفيون أبرياء من حرق كنيسة إمبابة فهى براءة لأنهم لم يمدوا أيديهم مباشرة بالحرق أو إطلاق المواد الحارقة لكنهم طوال أسابيع تفرغوا للتظاهر من أجل كاميليا أو عبير أو وفاء أو أى سيدة أو امرأة لا يعرفوها ويرونها أختهم التى يريدونها ولا نعرف ماذا سيفعلون بها.
تفرغوا لقضاياهم المصيرية كاميليا وعبير، والنقاب وهى قضايا كانت الحرية متاحة لهم للتعبير عنها من قبل، ولا نظن أنهم يحتاجون إلى مزيد ليطالبوا بها، فهل كانوا يريدون الحرية من أجل هذا فقط، وهل كان البلطجية يحتاجون الحرية ليقطعوا الطرقات ويروعوا الآمنين.
كل التيارات تستنكر جريمة حرق الكنيسة فى إمبابة ، من فعلها إذن؟، وهل حرقها فقط من أشعل الفتيل وألقى زجاجات المولوتوف، وهل الذى قتل هو من كان يحمل الرشاش. وهل يريح البعض إلصاق كل ما يحدث بمؤامرة من فلول الوطنى وأمن الدولة وجهات خارجية مع إنكار لأى دور داخلى من متعصبين أو متطرفين نقلوا اهتمام المجتمع والحكومة إلى فتيات وملابس، ومتى تتفرغ الحكومة والمجلس العسكرى لإدارة شئون الدولة، ومتى ينتهون من بحث صحة عقود زواج والتحقيق فى اتهامات بالأسلمة والتنصير.
لقد كدنا ننتهى من قصة كاميليا فخرجت لنا قصة عبير، وهل نضمن أن حسم مصير عبير لن يولد قضية لصفاء أو سوسن ، ومتى ترتاح المنتقبات إلى أن النقاب فرض عين وواجب، نتوقع المزيد من المطالب التى لم تعد فئوية، وإنما مطالب تتعلق بالضمائر والنيات وتفسير الفتاوى والاعتراض على أى اجتهاد، وبدلا من التفكير فى مصير الباعة الجائلين يمكننا انتظار مصير ائتلاف الدفاع عن المسلمات الجدد، وهو تنظيم لا يهتم كثيرا بحقوق العمال ولا بالبطالة والمرض والجهل لكنه سيركز جهوده من أجل تمتين الدفاع عن السيدات.
من يتأمل وجوه كثير من الشباب فى مظاهرات الاستعراض سوف يكتشف أن أغلبهم فى مثل أعمار من خرجوا فى التحرير ليطالبوا بالحرية والعدل، فهل هذه هى الحرية التى كانوا يحلمون بها. والمساواة والعدالة التى يرهقون أنفسهم ويتركون أعمالهم ليدافعوا عنها. وبالمناسبة فهى أعمال هؤلاء ومن أى مصدر ينفقون؟. وهل هم فى حاجة لبحث قضية البطالة وهل يرهقهم تأمل أرقام مرضى الكبد الوبائى والفشل الكلوى؟. ربما لا، لأنهم مصابون بالتهاب الجهل الوبائى.
ربما يتفهم البعض تعسف الباعة الجائلين ورفضهم إخلاء الأرصفة مع أنه تحد للمجتمع، لكن هؤلاء ربما يتركون الأرصفة عندما يفكر لهم المجتمع فى مكان يبيعون فيه بضاعتهم. لكن من الصعب تفهم وجهة نظر هؤلاء الذين تفرغوا للتنغيص والنبش وادعاء احتكار المعرفة بلا دليل ولا علامة. ونرى أبو جهل فى فيديو يطالب بحرق كنائس، زاعما أن بها سلاح، مع الاعتراف بألعاب أجهزة المخابرات، ومخططات الفلول، لكن أى عدو يريد أن يتآمر علينا لن يفعل أكثر من أفعال صناع الكآبة، وحارقوا الكنائس الذين يقودون البلد لحريق أوسع لن يترك أحدا.