مرت 4 أشهر على خلع مبارك، لنكتشف بمرور الأيام أن أضعف شخص فى العصابة هو رئيسها، وأن قطع رأس الأفعى ليس كافيا لقتلها، فسرعان ما ينبت لها ألف رأس جديد، وأن الحل هو فرم الأفعى ثم حرقها ثم نثر رمادها فى المحيط، ثم تجفيف المحيط وإعادة ملئه من جديد، وحتى وقتها لا يمكننى أن أجزم لك بموت أفعى الفساد.
ما يحدث فى مصر الآن يشبه مريضا كان فى النزع الأخير، ثم وصف له الدكتور الدواء، فبدأ فى تناوله وحين شعر ببعض التحسن ظن أنه شفى تماما، فتوقف دون أن يكمل باقى الجرعة، ووقف فى وسط العالم وضرب صدره بيديه وصرخ: «أنا جدع»، ليكتشف بعدها مباشرة أنه ضحك على نفسه، وأن المرض تحور فى جسده واتخذ أشكالا جديدة أكثر تحصنا، لن ينفع معها نفس العلاج مرة أخرى، وعاد المريض يشكو أعراضه القديمة ومعها الكثير من الأعراض التى كانت لديه لكنه لم يكن يشعر بها.
تناولنا المسكن فقط، وأهملنا المضادات الحيوية، وحين خف الألم تخيلنا أننا فى أفضل حال، دون أن ندرك أن تأثير المسكن يذهب سريعا. والنتيجة أنه لا شىء يحدث حاليا، ولن يحدث أى شىء خارق فى الأيام المقبلة، وستعود ريما إلى عاداتها القديمة بشكل أكثر دهاء وتخفيا وداخل أطر قانونية، سيستمر الفساد لكن «فى السليم»، وستطفو على السطح كل أمراض عصر مبارك، وستخرج فئران كثيرة من جحورها وسيصعب ردها إليها أو حتى ترويضها مرة أخرى.
الناس فى البيوت بدأوا يضجون من الثورة وحديث الثورة، ويوشك الواحد منهم إذا قلت له «ميدان التحرير» أن يمد يده عليك كأنك شتمته بأمه، وأولو الأمر يلعبون معنا نفس لعبة عمر سليمان وقت أن عينه مبارك نائبا له، ويرددون نفس عباراته المفتكسة:
عمر سليمان كان يقول: طب وفيها إيه لو استنينا 9 شهور لما مدة الرئيس تخلص؟ وأولو الأمر يقولون: طب وفيها إيه لما نصبر شوية مفيش حاجة بتحصل مرة واحدة؟
عمر سليمان سحلنا بقصة غريبة عن الفراغ الدستورى إذا تنحى مبارك، وهاهو قد تنحى ولم تحدث أى مشكلة، وهى نفس السحلة التى يمارسونها معنا الآن حين نطالب بتسليم السلطة إلى مجلس رئاسى أو وضع دستور جديد قبل إجراء الانتخابات.
عمر سليمان دعا كل الأطراف للتحاور ليملى عليهم ما يريد ثم اعتقلهم، وأولو الأمر يدعون كل الأطراف للتحاور ثم يكشفون على عذريتهم.
لن تنجح ثورة أهم ما يميز أصحابها هو النفس القصير، ولن تنجح ثورة يقوم بها أصحابها ثم يسلمونها بأيديهم لمن لا يفهم فيها، إن لم نقل ثم يسلمونها لمن قامت ضدهم أصلا، وإن كانوا أكثر ذكاء فأوهمونا بغير ذلك، وكما قال القائل: الشعب المصرى هو الشعب الوحيد فى الدنيا اللى بيعمل ثورة وبعدين يسيبها ويمشى.
لقد اشتغلونا يا صديقى، وتمخض جبل الثورة عن حبس حوالى 50 شخصا حبسا احتياطيا، وكل كام يوم سيفرجون عن واحد منهم لعدم كفاية الأدلة، أو لأنه رجع التلاتة جنيه التى سرقها من الدولة، أو لأنه مريض ويعانى من البواسير.
لم تحدث الثورة الحقيقية حتى الآن، صنعنا بروفة ناجحة لكن بها الكثير من الأخطاء، وكأى شعب يخاف على صورته أمام نفسه وأمام العالم، نحتاج إلى حصر هذه الأخطاء وفهمها ومعرفة أسباب حدوثها، حتى يمكننا تفاديها حين نصنع الثورة الحقيقية المقبلة.
أى عمل فنى عظيم فى التاريخ لا يخرج إلى الوجود فجأة، بل لابد أن تسبقه بروفات كثيرة ينجح فيها الأبطال أحيانا ويخفقون أحيانا، حتى تحين ساعة العرض النهائى، وكلما كانت البروفات حقيقية ومبللة بالعرق والدم كان العمل أعظم، وألهب أكف الجمهور من شدة التصفيق.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
كرم
أول مرة
عدد الردود 0
بواسطة:
wahed mn el nas
انت برنس على فكره
عدد الردود 0
بواسطة:
صابر
مقال أكثر من رائع وكأنك جراح
برافو ولا تعليق
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد قاسم
الله يفتح عليك
هو ده بالظبط اللي بيحصل مقال ممتاز
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد كمال الدين
بصراحة
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmad abdelaziz
محدش عايز يضرب
عدد الردود 0
بواسطة:
هانى حبيب
كلام ممتاز
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح
الثورة المصرية, مش هتقدر تبطل تسقيف
عدد الردود 0
بواسطة:
rery
الامل في ربنا ثم الرئيس الجديد
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
الله عليك