امتحانات الثانوية العامة فى مصر ليس لها مثيل فى العالم، فهى أحد وأبرز العجائب التى لن تراها فى العالم إلا فى مصر فقط، الثانوية العامة فى مصر لها رهبة وخوف ومناخ تملأ قلوب أولياء الأمور والطلبة، خوفا مستمرا لا يتوقف، وقد سافرت إلى بلاد كثيرة فى الشرق الأوسط والغرب، لم أجد مثيل هذه الخلطة فى مصر، وهل هى حب التعلم، أو خوف أن يفقد أولياء الأمور مهارة التعلم، الخلطة ليس لها أى علاقة بتحصيل العلم والتعلم، لكن لها علاقة بشىء واحد فقط هو تحصيل الدرجات، لا أحد يتعلم شيئا.. الحقيقة فى مصر، إنما الأمر هو كما الققز على أسوار الامتحانات للحصول على شهادة توضع على الجدران، ولا يمكن أن نتخيل نظرة أمة تقوم على جيل، يريد الحصول على شهادات فقط ولا يهمه التعلم.
عدد المتقدمين لامتحانات الثانوية يزيد على 800 ألف طالب فى المرحلتين المختلفتين، كل هؤلاء هدفهم ليس التعلم، لكن تحصيل الدرجات والشهادة، والنتيجة النهائية هى جيل بعيد كل البعد عن حقيقة العلم، أعتذر إليكم إذا كان كلامى صادماً لكنها الحقيقة، وأول خطوات تغييرها هى رؤيتها والاعتراف بها، وهناك إشكاليات جديدة لابد من القيام بها لإصلاح التعليم، منها ميزانية التعليم الحالية، فيجب أن تتضاعف، مروراً بإعادة تدريب المدرسين، وتوفير حياة كريمة لهم ليتوقف نزيف الدروس الخصوصية، وأن يؤدوا دورهم بشكل صحيح، أضف إلى ذلك، عدد المدارس الحالية غير كاف، إنها مسألة مركبة ومعقدة وليست سهلة، إصلاح التعليم فى مصر يحتاج إلى جهود رهيبة، أعود للثانوية العامة وأقول لكم، إن أول خطورة لإصلاح التعليم فى مصر هى ثقافة تنتشر فى المجتمع بين الطلبة وأولياء الأمور، إن قيمة العلم هى المقياس والهدف الأساسى لعملية التعلم، وإن كل العملية التعليمية فى مصر، هى عملية تدريب على اجتياز الامتحانات وليس على تحصيل العلم.
وأنا أعتقد أن أول خطوة هى الثقافة، يضمن بها الشعب المصرى أن العلم هو مفتاح النهضة، والطريق إلى حياة كريمة، فعندما أعود إلى جذور ديننا نجد كلمة «اقرأ» هى أول كلمات هذا الدين، وأن كلمة العلم ذكرت ما يقرب من 100 مرة فى القرآن الكريم، وأن تاريخ العرب والمسلمين يذكر لنا قصة بسيطة.. أن أحد علماء المسلمين كان يأكل، وسقطت على عباءته نقطة زيت، فخجل أن يخرج للناس وعلى ملابسه نقطة الزيت من أثر الطعام، جاء بالمحبرة ووضع نقطة حبر على نقطة الزيت، وقال نقطة حبر أقيم عند الناس من نقطة زيت، لأن ثقافة المجتمع كانت ترى أن العلم تشريف، ولما سُئل أحمد بن حنبل: حتى متى تتعلم العلم؟، قال: مع المحبرة إلى المقبرة. هذا جزء من تاريخنا عندما كان العلم مقدرا كقيمة فى حد ذاته، وقدنا العالم بخبراتنا وتقديرنا لقيمة العلم، أما نحن اليوم فى امتحانات الثانوية العامة، نحتاج أن نرجع لأنفسنا كأولياء أمور وطلبة وإعلام، لماذا كل هذا الخوف والخضة من امتحانات الثانوية العامة؟، إذا كنا لا نتعلم تعليما صحيحا؟، أنا أرجو كل أب وأم وسط كل هذا الهم والقلق والأرق على مستقبل أولادهم، أن يجلسوا جلسة عائلية صادقة هادئة.. ينزعون فيها فتيل «الخضة» والرعب، ويتذكرون أننا نحتاج أن نتعلم علما حقيقيا، وأن يتوجه كل شاب من أبنائنا فى الإجازة الصيفية القادمة لتعلم شىء جديد، قد يكون مهارة جديدة، أو فنا من فنون الحياة، أو حتى حرفة جديدة، المهم أن نتعلم شيئا جديدا بدلاً من البحث عن درجات وشهادة نعلقها فى البيت.
نريد مشروعا للإجازة الصيفية لأننا هذا العام لم نشهد موسما دراسيا حقيقيا، ولم يتعلم أولادنا فى المدارس للظروف التى مررنا بها، فلماذا لا يكون لدينا مشروع فى الإجازة الصيفية برعاية وزارة التربية والتعليم، لاستيعاد أبنائنا الطلبة تعلم شىء له قيمة فى الحياة، يرتقى بهم، تخيلوا لو 5 ملايين شاب من طلابنا، توجهوا إلى مراكز الشباب فى الصيف المقبل، ليتعلموا شيئا يضاف لمصر فى إجازة طويلة ليس لها مثيل فى العالم، تسمى «إجازة الصيف»، هذه الإجازة لا يعرفها العالم، وعرفتها مصر فى الماضى لأننا «كنا» نزرع القطن، فنحتاج الشباب والفتيات لجمعه فى هذه الإجازة، أما الآن فلا نحن نزرع قطنا، ولا الطلبة يشاركون فى هذا المشروع القومى، فماذا نفعل فى إجازة طويلة سوى «البلاى ستشين» ومشاهدة التلفاز، حرام أن تضيع هذه الإجازة دون أن نضيف لبلدنا.