التشابه بين الثانوية العامة، التى تجرى اليوم، والانتخابات، يجعل المعركة السنوية للطلاب أشبه بمعركة الانتخابات. ونظام الثانوية عندنا نتاج نظام الانتخابات الفاسد.
فإذا كانت الانتخابات هى الطريقة التى يختار بها المواطنون ممثليهم بصناديق الانتخابات، فالثانوية هى المرحلة التى تحدد مصير الطالب ومستقبله.
الثانوية العامة كانت ولا تزال حربا سنوية، لا يخوضها الطالب وحده، لكن تكون معه فى الميدان أسرته. بعد أن تم اختصار التعليم فى عام واحد أو عامين، يحكمان مستقبل الطالب. الهدف هو الوصول إلى مكاتب التنسيق والالتحاق بالجامعة. ولا فرق بين المدارس العامة أو الخاصة فى الدروس الخصوصية، التى وحدت المصريين. وتشبه عملية شراء الأصوات فى الانتخابات، يربح منها المعلم الذى يعانى أصلا من انعدام الدخل، ويعوّض بها الطالب غياب التعليم فى المدرسة.
خلال ثلاثين عاما تحول التلاميذ إلى فئران تجارب لوزراء، لم يكن أى منهم مؤهلا أو راغبا فى بناء نظام تعليمى، بدءا من فتحى سرور رئيس مجلس الشعب المنحل، وصولا إلى زكى بدر الذى حوّل وزارة التعليم إلى وزارة للداخلية. تم إلغاء الابتدائية وإعادتها، وتقسيم الثانوية، إلى عامين أو ثلاثة، وبقيت المشكلة قائمة. انتهى التعليم من المدارس وانتقل إلى الشارع، ولم يهتم النظام السابق أبدا ببناء نظام تعليمى يسمح بتطوير الأجيال التى تبنى المستقبل. وتغيرت أشياء كثيرة فى التعليم الجامعى وشكله، ولم تتغير الطريقة التى يقوم عليها. الاستناد إلى الحفظ والتلقين، والسعى يكون فقط للامتحان وليس للمستقبل بشكل عام، خاصة أن شكل هذا المستقبل لم يعد فى السنوات الأخيرة محكوما بالاجتهاد، أو التفوق والفهم، لكن بالقدرة على الدفع.
وحتى مكتب التنسق نفسه، الذى كان الوسيلة الوحيدة لفرز الطلاب بناء على درجتهم، لم تعد له نفس القيمة، كليات القمة لم تعد هى المطمح بعد انتشار البطالة، والجامعات الخاصة تعوض مكاتب التنسيق وتتيح لخريجيها وظائف أفضل.
وبالتالى فإن ظاهرة تزييف الانتخابات وشراء الأصوات هى نفسها الطريقة التى يدار بها التعليم، وتقوم على الغش والخداع والدروس الخصوصية. نظام لا يقوم على التفوق، ويفرق بين تلاميذ المدارس الحكومية والخاصة، التى تضمن لخريجيها تعليما متقدما يمكنهم من الحصول على مكان فى جامعة خاصة وعمل. ولهذا فإن بناء نظام تعليمى يتيح تكافؤ الفرص للطلاب، يبدو فى أهمية وضع نظام انتخابى يضمن تكافؤ الفرص للناخب والمرشح لينتج الأفضل.
تكافؤ الفرص هو الخطوة الأولى لبناء نظام تعليمى وسياسى حقيقى. وليست المشكلة ما إذا كانت الانتخابات أو الثانوية العامة بالقائمة أو الفرد عاما واحدا أو عامين. المهم أن يرى الطالب أفقا لمستقبله أكثر من مجرد ورقة.