تستحق عملية استعادة الأمن اهتماما وتركيزا أكبر بعد أن تزايدت أعمال العنف والبلطجة، وافتقد المواطنون الأمن فى الشارع وفى الحياة عموما، وشواهد الأمور لا تنبئ بأننا سوف نتجاوز هذه الحالة قريبا، وطبقا لما أعلنه السيد مدير الأمن العام فإن لدينا 110 آلاف مسجل خطرا، وهناك حوالى سبعة آلاف سجين جنائى طلقاء فى الشارع، وقبل مدة أعلن السيد وزير العدل أن هناك حوالى نصف مليون بلطجى يمرحون بيننا، فضلا عن انتشار الأسلحة بين الناس.. إلى الآن توجد 5200 قطعة سلاح سرقت من رجال الداخلية لحظات الانفلات الأمنى، ومن يمر على محلات بيع السلاح يكتشف الزحام عليها، سكان الأطراف كمدينة أكتوبر وزايد والعبور وغيرها يريدون تسليح أنفسهم، وارتفعت أسعار السلاح بصورة غير متوقعة ونشطت تجارته، فالكل يفتقد الأمان، والكل لا يشعر أن هناك جهة يمكن أن تحميه، وكل مواطن بات مطالبا بأن يحمى نفسه بنفسه ويحمى بيته وممتلكاته وأسرته.
نعرف أن جهاز الشرطة لن يستعيد عافيته بسهولة، ضباط الشرطة مكسورون وعاجزون، وذلك أن ممارساتهم القديمة التى اعتادوها وتربوا عليها لا تصلح للاستعمال الآن، وهم إن استعملوها فسوف يلاحقون قضائيا وقانونيا، فضلا عن أن هناك ضباطا قُتلوا أثناء الانفلات الأمنى مساء يوم جمعة الغضب 28 يناير، خاصة بعض ضباط السجون، ولم يعاملوا كشهداء ولم يتم تكريمهم ولم يبحث أحد بجدية كيف قُتلوا أو من قتلهم؟!
الخطير أن بيننا وبين إجراء الانتخابات البرلمانية عدة شهور ما لم يحدث تعديل، وهذا يعنى أننا سوف نكون بإزاء سوق ازدهار البلطجة والعنف، ولعل هذا مصدر تخوف كثيرين من إجراء الانتخابات فى الفترة الحالية.
وإذا كنا نأمل ونخطط لزيادة الاستثمارات والمشروعات الكبرى ونسعى لعودة السياحة فإن الشرط الأول لذلك هو استعادة الأمن فى الشارع المصرى، والحد من معدلات الجريمة، وإذا كنا نسعى لحياة ديمقراطية ومجتمع حر فإن ذلك لن يتحقق دون استقرار الأمن، ومن ثم يجب أن يكون استعادة الأمن قضية تعنى بها الحكومة كلها وليست وزارة الداخلية وحدها.. وأتصور أن تكون هى الأولوية الأولى لدى رئيس مجلس الوزراء د. عصام شرف، والظرف مهيأ لذلك تماما، هناك إلحاح لدى الرأى العام وكذلك أفراد النخبة بضرورة استعادة الأمن، والرغبة موجودة لدى الأهالى للمساعدة فى ذلك.
والخطوات العاجلة فى ذلك تتمثل أولا فى أن تعمل الداخلية باحترام كامل للقانون وحقوق الإنسان، وهذا يعنى استبعاد عقلية قانون الطوارئ، واحترام القانون يضمن عدم التجاوز فى حق المواطن، وكذلك عدم التهاون مع من يخالف القانون، وعلى ضباط الشرطة أن يتعاملوا بهذه الروح، وأن ندرك جميعا أن ضابط الشرطة هو الآخر مواطن يجب احترام حقوقه وعدم المساس به أو إهانته، وبات ضروريا استبعاد كبار القيادات بالداخلية الذين يرفضهم الرأى العام، وإن لم يكن أحدهم متورطا فى شىء يمكن نقله للعمل فى وزارة أو جهة أخرى وتصعيد الرتب الأقل.
بعد 5 يونيو 1967 تعرض الجيش لأزمة مشابهة وربما كانت أقسى، وقام الفريق محمد فوزى ومعه الفريق عبدالمنعم رياض بإعادة بناء القوات المسلحة، وبعد أقل من 3 شهور على الهزيمة كانت وحدات الجيش تماسكت واستعادت عافيتها وبدأت عمليات حرب الاستنزاف، وقد مر الآن أكثر من خمسة شهور على محنة الداخلية، ولم تتم استعادة الروح المعنوية لدى الشرطة ورجال الأمن، ولم يعد الأمن إلى ما يجب أن يكون عليه، طبعا هناك فارق بين وحدات الجيش التى تعمل فى معسكرات بعيدة ومنفضلة عن الحياة العامة والمدنيين، وهذا مكن الفريق فوزى والفريق رياض من النجاح السريع، لكن رجال الداخلية يعملون وسط المدنيين وفى الشارع وإشارات المرور مما يعقد الأمر، لكن لابد من العمل بسرعة على استعادة الأمن وقوة الجهاز الأمنى.
إذا دخلنا الانتخابات والحال الأمنية متراجعة، فقد نجد أنفسنا غرقى فى حروب وصراعات أهلية وعشائرية لا أول لها ولا آخر، والنفوس حبلى بتوترات وأزمات تراكمت فى السنوات العشر الأخيرة، وحق علينا قول صلاح عبدالصبور «المقتولون القتلة»، فداخل كل منا إنسان مقموع مضطهد، وإنسان لديه الاستعداد ليمارس هذا القمع والاضطهاد على الآخرين، لذا فإن استعادة الأمن هى الأولوية الأولى التى يجب أن تشغلنا لنبنى مجتمعنا.. مجتمع الحرية والعدالة والكرامة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ضابط شرطه
شكرا للاستاذ الكبير
مقال اكثر من رائع فالف تحيه و تقدير
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد محيي سرور
صدقت فيما قولت يا استاذنا
عدد الردود 0
بواسطة:
حامد السخيلى
استاذنا الكبير
عدد الردود 0
بواسطة:
عمرو الحناوى
عندك حق
استاذى العزيز عندك حق فى كل اللى قولته