دعيت إلى حفل تخرج دفعة جديدة من فنانى مركز الإبداع، الذى يشرف عليه المخرج المسرحى الكبير خالد جلال. وكان فى البرنامج عرض للمسرحية المرتجلة الفاتنة «قهوة سادة». المسرحية لمن سبق أن رآها اسكتشات أو مشاهد تعرض كثيرا من التحولات الخطيرة، التى جرت على مجتمعنا، وبين المشهد والآخر يرفع الممثلون فى خلفية المسرح فناجين القهوة السادة، ليذكروننا بأننا فى مأتم ولسنا فى وطن.
فرجال الأعمال الذين اجتمعوا فى جامعهم فى القطامية هايتس يدعى بعضهم الله أن يوسع مضيق بنما، لأن سفينته انحشرت هناك، أو يعتذر له ويطلب أن يبارك له فى سيارته الجاجوار، لأن جميع رجال الأعمال يشترون السيارة الهامر التى صارت عادية، أو يكمل الله ثروته بامتلاك الهرم، أو يعطيه الله العمر ليدور فى قصره كله. وغير ذلك مما يكشف الحالة غير الطبيعية لهؤلاء البشر، حتى اضطر أحدهم فى سخرية جميلة أن يطلب من الله أن يحوجه ،يجعله محتاجا فهو لا ينقصه شىء. طبعا قبل الثورة تضحك كثيرا وتندهش من هذا السفه فى المال وهذه القدرة المسرحية الهائلة على السخرية.
وبعد الثورة تقتنع أنه كان يجب أن تقوم الثورة. ليس رجال الأعمال فقط، بل تقدم المسرحية مناظر تطوف بالمجتمع فى نفس القالب الساخر، وأداء تمثيلى رائع لطلبة المركز. فهذه سيدة تنعى أشكال البناء الجديدة التى أفسدت الذوق، وتطلب من الله أن يظل بيتها القديم على حاله حتى تعود. ثم تموت فى الحال، فنكتشف أنها لن تعود لأن أحدا لا يعود من الآخرة وتضحك وتبكى على ما جرى للبناء فى مصر. وهذه مجموعة من البنات والشباب المخطوبين طالت خطبتهم، حتى صارت الفتيات عوانس عجوزات، لكنهن يغنين أغنية الفرح الذى لا يتحقق. وتصل السخرية من الأفكار الرجعية فى الدين إلى منتهاها تعليقا على فتوى إرضاع الكبير، التى جعلت المدير والموظفين ينظمون طريقة الرضاعة وبعض النساء يتسابقن على ذلك أيضا من الحرمان. وتنتهى المسرحية برحلة الغرق للفارين من الوطن بحثا عن وطن أجمل.المسرحية الراقية ليس فى حوارها جملة إدانة واحدة.
ولكن تطور مشاهدها ونهايتها يصل بالإدانة إلى غايتها مثل كل فن جميل. سبق عرض المسرحية مقاطع من غناء للطلبة أنفسهم لأغانى الثورة. كنا فى عرس حقيقى نحتفى بالطلاب المتخرجين و بالثورة، إذ نتذكر أسبابا من قيامها، ونحتفى بالأمل بالأغانى التى أعادت لها الثورة قيمتها الوطنية. مركز الإبداع ليس جامعة معتمدة ولا مدرسة. هو مركز لفنون المسرح للهواة من الموهوبين يديره خالد جلال بحرية تجعله يستقدم للتدريس كبار فنانى الوطن، ويكفى أن أذكر لك أسماء مثل المرحوم صلاح مرعى فى الديكور، وعصام السيد فى الإخراج المسرحى، وغيرهما من عظماء الفنانين.
المركز تابع لوزارة الثقافة وميزانيته من صندوق التنمية، لكنه لا يعرف الروتين وليس لأحد قيمة فيه إلا بفنه. الممثل فيه يتحول إلى ممثل شامل. يصبح مثقفا وراقصا وراقص باليه ولاعب أكروبات، ومغنيا وكل ما يمكن أن يمكّن الممثل من الأداء العظيم. كانت ليلة كالسحر.لكنها ذكرتنى بيوم ذهبت فيه مع المذيعة السورية هيام حموى نزور صديقة سورية لها، متزوجة من رجل أعمال مصرى يسكن فى القطامية هايتس، التى جعلت فيها المسرحية مسجد رجال الأعمال. يومها سألنى رجل الأعمال فى الموبايل، وهو بالمناسبة من المحترمين الذين لم يأت اسمهم فى أى قائمة اتهام.
سألنى عن ماركة سيارتى حتى يعرفنى من سيستقبلنى. قلت لادا، قال أحسن شىء أن أرسل لك من يأخذك إلى القطامية هايتس، لأنها بعيدة. أرسل لنا سائقا بسيارة فور باى فور.تعشينا وحكى لى الرجل عن والده الذى كان يعانى من آلام فى الظهر، فاقترح عليه حسنى مبارك أن يذهب إلى ألمانيا ليعالج فى المستشفى الذى عولج فيه هو أول مرة. ذهب الرجل وأجريت له العملية بنجاح، لكنه مات لخطأ طبى لا يتكرر إلا بنسبة واحد فى المليون.
آه والله. بعد ذلك حكت لى الكاتبة الصديقة هالة البدرى كيف ذهبت مع أحد أقاربها إلى هناك، لأنه سمع أن هناك أيضا عمارات بها شقق للإيجار، كانا يركبان سيارة أبيزا فمنعوهما من الدخول، لأن السيارة ليست مما يسمح له بالدخوال إلى المنطقة. عرفت لماذا كان الرجل مهذبا لم يشأ أن يقول لى: إنه ممنوع دخول اللادا إلى هناك. نفسى أروح تانى دلوقتى وأشرب قهوة زيادة، بس يا خسارة بعت اللادا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
جناح النسر
طاب ياستاذنا ايه رأيك فى اللى مش معاه عربية اصلا ومش عارف يتجوز