«أكتب إليكِ وأنا فى قمة الغضب من الاستهزاء بأرواح المصريين. الموضوع مفزعٌ ومخيف. أعمل أنا وزوجى فى الخليج من سنين طوال، وكنا نعدُّ العدة للرجوع إلى الإسكندرية، مدينتنا الحبيبة الساحرة، لكى نستمتع بالأيام الباقية لنا بعد كد العمر والكفاح والغربة. كنت أتحدى الجميع وأراهنهم على أن مصر أفضل مكان على الأرض لتمضية بقية الحياة فيها، وأيام المعاش لمن هم فى مثل وضعى وعمرى. وساجلتُ كل مشكك فى عدم استقرار الوضع الأمنى أو التمييز الطائفى فى البلد الذى أعشقه، ويعشقه العالم.
بعد 25 يناير استبشرتُ خيرًا وتفاءلتُ بأن الحياة بمصر ستكون أجمل. على أننى زرت الإسكندرية مطلع هذا الشهر وصُدمت من هول الفوضى وانعدام الأمن والاستخفاف بالقيم وضياع الأخلاقيات واختفاء الجمال من الشوارع وضجيج الإعلانات المقيتة لمرشحى رئاسة الجمهورية والأحزاب والجماعات التى قامت بأعمال بطولية خارقة للمدينة الجميلة مثل إصلاح إشارة مرور أو كتابة «تهنئة للإخوة الأقباط بمناسبة عيد القيامة»، بالإضافة إلى استشراء أخلاقيات البلطجة و«التناحة»، عطفًا على ارتفاع أسعار السلع وانخفاض سعر البنى آدم. وإليك الحكاية الدامية:
جارة عزيزة لوالدتى اسمها «الحاجة فوزية» ذهبت لأداء العمرة مع ابنتها الأرمل. وللحظ العاثر قررت حفيدةُ الحاجة فوزية الذهاب إلى مطار برج العرب لاستقبال الجدة والوالدة. اصطحبت صديقتَها وخطيبها، وانطلقوا بسيارة الأخير إلى المطار. بعد استقبال المعتمرتين، وفى طريق العودة، اعترضتهم سيارةٌ بها عدد من الذئاب الذين طالبوا «بنصيبهم!» من مال وممتلكات عينية، والأقبح: من الفتاتين الصغيرتين! فى محاولة من الشاب، خطيب صديقة الحفيدة، الهرب، سقطت السيارةُ بمَن فيها فى المستنقعات المنتشرة هناك، ولم تنجُ إلا الحفيدة المكلومة. تم انتشال الجثث الأربع. وهربت الذئاب. لم تكن هذه الحادثة الأولى، ولن تكون الأخيرة فى ظل غياب الضوابط الأمنية بالمدينة الهادئة. طلبت الشرطة من ذوى الضحايا احتسابهم شهداء عند ربهم يُرزقون، ونسيان الموضوع برمته مُحذّرين الشاهدة الوحيدة الناجية من مخاطر المطالبة بحقها فى التحقيق وملاحقة الجناة.
هل يعقل هذا؟ أحمد الله أن أمى ماتت العام الماضى قبل أن تشهد مقتل صديقتها وابنتها، ثم الاستهانة بالأرواح والشرف على هذا النحو! هل يمكن أن أروّج للسياحة فى بلدى، لأتحمل وزر حوادث بلطجة من المؤكد أن ستحدث لسائحين آمنين حلموا بزيارة مصر؟ وهل يمكن أن أعاود حلم العودة والاستقرار فى مدينتى الجميلة والشروع فى مشروعى الصغير الذى كنت أنتوى إقامته مع صديقة فى نفس وضعى؟
هل سمع أحدٌ بتلك الحادثة؟ هل تقوم الشرطة بالبحث عن الجناة؟ هل يمكن أن يطمئن أى مواطن على أمنه وماله وعرضه فى الشارع أو حتى داخل البيوت؟ الردُّ موجود فيما رأيت بنفسى وسمعت عنه.
كل ما أرجوه هو أن تأخذ الفتاة اليتيمة حقها (أبوها مات أيضا قبل سنوات)، وأن تشهد بعينيها أن مباحث بلادها قد أوقفت من انتهكوا شرفها وأفقدوها أمها وجدتها. الفتاة اسمها «أيتن أسامة»، وأمها التى لقت حتفها مع الجدّة المسنّة اسمها «نجوى محمود فريج»، ولا أعرف اسم الشاب صاحب السيارة ولا خطيبته، لكن والد الشاب اسمه الدكتور أحمد محمد جاد الله.
هل أكون خيالية إذا حلمت بمصر تعود كما كانت آمنةً مستقرة، مع إضافة مكتسبات ثورتنا الرائعة وأحلامها: الحرية التى تقف عند حدود حرية الآخر، العدالة اجتماعية، انعدام التمييز، احترام آدمية الآخر واختلافه، سكن لكل مواطن، خبز للجميع، علاج وتعليم آدمى لمن لا يقدر؟ باختصار: «بلد حضارى مش مترهل، حكومة أمينة مش حرامية، وشعب مخلص مش أنانى ومش مهووس». انظروا لليابان. بلدٌ خرج من الحرب العالمية محطمًا تمامًا، والآن انظروا ماذا فعل. الحكومات تتعاقب عليه، كل كام شهر حكومة، لأسباب يمكن مش مفهومة عندنا، لكن الشعب يعمل دون توقف ولا كلل وبكل إخلاص وتفانٍ. وبعد الزلزال الأخير، بدأوا يعملون 3 ساعات إضافية بدون مقابل لإنهاض بلدهم.
سيدتى الكاتبة، أرجو الاهتمام بالأمر إعلاميًّا لنصرة هذه الفتاة التى لا سند لها، وأسرتىْ الشاب وخطيبته اللتين فقدتا زهرتى حياتهما».
ماجدة منير ميخائيل