يبدو أن الخطأ الأكبر لثورة يناير، هو أنها لم تحدد عدد أيامها، كان عليها أن تعلن أن أيام الثورة ثلاثين أو أربعين، وبعدها مباشرة يكون كل شىء قد تم إصلاحه، وحتى ثروة مصر التى نهبها نظام مبارك، عادت إلينا، وكل مواطن حصل على كذا مليون، أو ربما على فيلا، أو حتى شقة.
أقابل الكثيرين ممن يتحمسون للثورة، بل يقولون إنهم شاركوا فيها، وأظن أنهم فعلوا، وأقابل كثيرين من المتحفظين، والتحفظ عادة يدل على حكمة صاحبه، ولا أقول إننى قابلت معارضين، وفى ظنى أنها الثورة الوحيدة بلا معارضين، أو على الأقل لا يعلن معارضوها آراءهم، المهم أن كل من أقابلهم يشكون من بطء الإنجازات، وطول الفترة الانتقالية، فها قد مرت شهور ولم نر «أبيض ولا أسود»، ولم نحصل على الوظيفة التى نحلم بها، بل ولم يتم حتى كسر شوكة البلطجية.
أحدهم تساءل: متى تنتهى هذه الفترة؟، وقال بمرارة: إنهم فى العهد الماضى كانوا يسرقوننا.. هذا صحيح، لكنهم كانوا يدفعون لنا عندما نعمل، الآن لا يسرقنا أحد، ولكننا لا نحصل على شىء، ويرى أحدهم أن تفضّلهم عليه بالفتات خير من توقف عجلة العمل. ولا تعجب لهذا المنطق، فلقد سقط المنطق منذ اقتراح اختيار الأساتذة بالانتخابات الطلابية.
وقال آخر: أنا لا أعرف أن الثورات تأخذ فترة لكى تتحول من نظام يُنتج وهو فاسد، إلى نظام يُنتج وهو صالح، لكنه أضاف بحدة: ولكن كم طول هذه الفترة الثورية؟، ورد عليه صديق ساخراً: هذه الثورة طولها سبعة أشهر، فقال صاحبنا ممتعضا: هذا كثير! واستمر الصديق فى سخريته: طيب ستة أشهر! وبدا أن المسألة مساومة بين اثنين لا يمتلكان القدرة على تحديد الوقت، وصحيح أننا نعانى من الكثير، ولابد أن نبدأ عهداً جديداً، ولكن هذا لا يكون فوراً، والذين يريدون أن يقفزوا على يوم السبت لكى يصلوا إلى الرخاء، يتجاهلون أو يجهلون كم طالت الثورات.
وذات مرة كم كنت أحاول أن أتحدث بحكمة عن الثورة الفرنسية، وقلت- صادقاًَ- إننى حائر لا أدرى كم استمرت، فلقد انتقلت من عهد إلى عهد، ومن قيادات إلى قيادات، وبدا أن الستار ينزل على الأحداث لتبدأ مرحلة أخرى كأنها ثورة تجدد نفسها، أو تتعثر لتقوم، وربما أننى كنت أتحدث بحكمة كما أشرت وأقصد بهدوء، إلا أن صديقاً ثار فى وجهى: ثورتنا والحمد لله بيضاء، وحتى الدماء التى سالت هى دماء شهدائنا، لم نقتل أحداً، ولم ننتقم من أحد، والذين عذبونا أحلناهم لمحاكمات مدنية عادلة، والثورة الفرنسية- والعياذ بالله- أسالت من الدماء ما أفزع الدنيا، ألم تقرأ يا أخى «قصة مدينتين»؟! نحن لا نريد ثورة فرنسية ولا بلشفية ولا...
والبحث عن نموذج آخر للثورات شىء جيد، وإن كان فيه أحيانا تعالٍ على ثورات قدمت الكثير للبشرية، وأيضاً لأننى أحس من يقولون هذا هم فى دكاكين أقمشة ينتقون الأفضل.
وذكرت الثورة المصرية وثورة 19 التى قامت فى 9 مارس 1919، واستمرت بالتقاتل مع المستعمرين البريطانيين، وتحطيم وسائل مواصلاتهم، والإضرابات عن العمل، والدعوة للقضية المصرية فى أنحاء الدنيا، والتفاوض من أجل الاستقلال، والصراع الإعلامى، وغير ذلك. وظلت هذه الضجة فترة نختلف عليها، ولكن أصدق تحديد أنها ثلاثة أعوام.. نعم ثلاثة أعوام! فى 8 مارس 1919 قبضت قوات الاحتلال البريطانى على سعد زغلول وأصحابه، فى اليوم التالى ثارت مصر كلها، ولم يكن المنفيون قد ركبوا السفينة المتجهة إلى مالطة بعد، وفى 28 فبراير 1922 كان تصريح فبراير الشهير الذى يعطى لمصر استقلالا اختلفت عليه القوى الوطنية، وهكذا دامت الثورة ثلاثة أعوام تقريباً.
وأنا لا أتمنى أن تستمر ثورة 25 يناير ثلاثة أعوام طبعاً، ولكننى أتمنى أن نصبر حتى يصل القطار إلى المحطة المرجوة، وأتمنى ألا نستورد الساعات من سويسرا ونحسب الدقائق والقطار فى طريقه!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
اية الكلام دة
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدي المنسي
الجار السؤ
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية جدا
الى رقم 2 أ . مجدى
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري محايد جداً
مسألة رأي
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية جدا
الى تعليق رقم 4
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد محمد زيدان
أنه محفوظ عبد الرحمن