يظن البعض أن الإسلام بدستوره وقواعده ألجم العقل بلجام من ذهب، ويعتقد آخرون أن الإسلام يمنع حرية الفكر وإبداء الرأى والتعبير بصورة عقلية منطقية فى قضايا الحياة.
وقد منح الله العقل للإنسان، فبه يؤمن، وبه يعتقد، وبه يعلم ما يصلحه وما يفسده، وبه يستطيع اكتساب الخبرات والمهارات، وهو أداة التفكير، إلا أنه لا يستطيع وحده الوصول إلى الرأى السديد.
لذلك حض القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على التفكر والتدبر فى ذات a وفى خلق الله من حولنا. إن التدبر والتفكر فى هذا الكون ليفتح للإنسان مغاليق العلوم والمسائل، ومن خلاله يصل الإنسان إلى دقائق صنع الله وعجائب قدرته، فيعلم أنه قادر، ومن خلال التفكر وصل الإنسان - بشكل عام - إلى اكتشاف قوانين العلوم كالجاذبية، وتعاقب الليل والنهار، ودوران الأرض حول نفسها وحول الشمس. وخير دليل على هذا الحض كثرة الآيات التى تنتهى بقوله «يعقلون» و«يتذكرون» و«يتفكرون»، فى دعوة أكيدة لاستخدام هذا العقل فيما هو مفيد ونافع.
أضف إلى ما سبق من قواعد وأطر اهتمام الإسلام بالعلم، ورفعه من شأن العلماء؛ فحض على طلب العلم وجعله فريضة شرعية كالصلاة، وحض على طلب الحكمة أينما كانت، ورفع الذين أوتوا العلم درجات، فالعقل والعلم يشكلان جبهة قوية لمواجهة تحديات وتطورات الحياة المختلفة، ولعل «اقرأ» و«ن والقلم وما يسطرون» خير دليل على قيمة العلم فى الإسلام.
إن تحرير العقل من التقليد والجمود، وممارسة التدبر والتفكر فيما حولنا، والسعى دائمًا وأبدًا إلى التعلم واكتساب الخبرات والمهارات، كل هذه الأمور مجتمعة تصل بسفينة الأمة إلى بر الأمان.
وبعد أن نجح الإسلام فى غرس هذه القيم وتلك المفاهيم فى نفوس معتنقيه، جاء الأمر واضحًا ومباشرًا بضرورة إبداء الرأى فى الأمور المختلفة، حتى إن المصطفى - صلى الله عليه وسلم- ومنذ بداية الدعوة حرص على تمييز سلطته الدينية التى تؤخذ دون تحريف أو مناقشة أو تأويل، وبين سلطته السياسية التى تقبل الأخذ والرد والصحة والخطأ، وما خروج المسلمين فى أُحد وعقد صلح الحديبية إلا خير دليل على تلك الحرية المكفولة للمسلمين فى إبداء الرأى. وكثيرًا ما خالف قائد سلاح المهندسين فى الجيش الإسلامى الحباب بن المنذر رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم- فى اختيار أماكن التمركز واللقاء، بأسلوب يفوح احترامًا والتزامًا، ويقبل النبى - صلى الله عليه وسلم- بأسلوب يقطر استجابة وحبًا. وبعد أن اطمأن النبى - صلى الله عليه وسلم- إلى التزام أصحابه بتلك الأطر وهذه الضوابط، ومراعاة آداب إبداء الرأى والنصيحة، جاء الأمر واضحًا ومباشرًا بقول الحق مهما كانت سلطة المخطئ، «فالساكت عن الحق شيطان أخرس»، وحرص النبى - صلى الله عليه وسلم- على أن تكون المكافأة سخية، فقال: «سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله». كذلك حرص - صلى الله عليه وسلم - على إبداء صحابته لآرائهم، والأخذ بما اتفقوا عليه؛ ليكون ذلك تدريبًا لهم على هذا النهج.
إن القيد الوحيد الذى يجب أن يوضع أمام حريتنا هو وازع من ضمير وإحساس داخلى بالعدالة، فبدونهما نصبح أسرى لأنانيتنا التى تدفعنا إلى التعدى على حرية الآخرين، والحرية حق لكل الناس وليست امتيازًا تمنحه جهة معينة.