ينصح محترفو مشاهدة التليفزيون بعدم استخدامه ظهراً، فأنت لا تعرف ما يظهر لك، ولأننى لا أحب اتباع النصيحة انتبهت إلى شخص طويل القامة يسير ونصفه الأعلى معوجاً ناحية السماء، وعندما توقف قال للجميع: أنا أول من كتب الشعر! صُدمت وزاد تركيزى وقلت لنفسى لا يمكن أن يكون هذا الرجل البارودى أو شوقى أو حافظ، لأنهم لم يدركوا التليفزيون قال صاحبنا: أنا أول من كتبت عن معاناة الإنسان! وضربت كفاً بكف وتساءلت من هذا؟ ومن رحمة الله أنهم ذكروا اسمه، ولم أكن قد سمعت به من قبل، وطاردت اصدقائى الأدباء بالسؤال عنه، بعضهم ضحك وبعضهم قال إنه لم يسمع عنه.
ما الذى دفع رجلاً أراد أن يكون شاعراً فلم ير فى الدنيا سوى نفسه؟!
قد نجيب بأنه الغرور، ولكن الغرور فى رأى صديق مشاكس صفة ممتعة، فالمغرور شخص سهل قياده، ابدأ معه بالحديث عن عبقريته ستجده ملك يديك.
هذا الشاعر والرئيس السابق - وهو لقب جديد علينا - وبعض من حولنا يتوحدون مع انفسهم، وصديق آخر يكره أن نستخدم «يتوحد».. فى هذا المقام لدايهم أن التوحد مرض نفسى يظنونه معروفاً، وأطلب من صديقى أن يخفف تحفظى وأهمس له ان تيأمل التوحد كمرض نفسى، والتوحد كحالة بين بعض الانانية وانفسهم يجدانهما متقاربان ولكن الهمس لا يجدى فى هذا الوقت، لذلك لا يوافق صديق على التطابق.
لقد أتى «الرئيس السابق» إلى منصبه «الرئيس» دون تدريب حقيقى، ومن ظنوا أن فترة النائب كانت تدريبا، إذا عرف دور الأمن وما شابه، تجاهل معرفة الحقوق والواجبات والتاريخ والجغرافيا، وكان يجهل كل هذا.
جلس على الكرسى- واسمحوا لى أن أتخيل - فأحس ببعض القلق الذى أخذ يذوب مع الوقت، وأحس بالنشوة تجتاحه من منبت شعر رأسه إلى أطراف أصابع قدمه: «والله ونلتها يا أبوعلاء» إنه المقعد الذى جلس عليه محمد على وإسماعيل وجمال عبدالناصر والسادات، وأقسم بين وبين نفسه - على ما أظن - أن يقدم أكثر مما قدموه.
وبدأت الحاشية تثنى على ما يفعل، وأحس بالرضا مشوباً بالشك، لكن المعزوفة استمرت، تمرر عليها أحيانا لكنه عندما صدقها كان فى قمة السعادة، وقلة مغرضة لم تعزف على نفس «المقام» وبالتالى رأى أنها نشاز وأبعدها، وكانت سلطة الإبعاد أيضاً آلذ من العسل!
وعودة إلى صاحبنا الشاعر الذى لا يظهر إلا عصراً على شاشة التليفزيون أيضاً صاحبنا الرئيس السابق صدق أنه أفضل من محمد على إلى آخر القائمة، ولم يكن تصديقه خداعاً للنفس ولا أوهاما صنعها خياله، فلقد أتوا له بإحصاءات فى كل شىء، محمد على أقام كذا مصنعا وكذلك عبدالناصر، أما أنت ففى عهدك أقيم ألف كذا، ويوم إعلان هذه الحقيقة ضج «درب البرابرة» بالزغاريد فكل محل أصبح إحصاء فى صالح الرئيس، وياله من شرف كبير.
وفاضت الأحاسيس الأبوية، أصبح الشعب كله ابناً له، والوطن كله بيتا له، وكل ما يفعل من أجل الجميع، ولم يدرك أن هذا كله قد يكون غير صحيح، فكيف وهو الحكيم كما وصفه رؤساء وأمراء من دول مختلفة، كيف وهو الذى ينطق فينظر له معاونوه ووزراؤه بدهشة: كيف وصل إلى الحقيقة بهذه السرعة، واضطروا جميعا أن يعترفوا بأن ما يفعلونه هو بسبب توجيهات السيد الرئيس.
أين الخطأ؟
هل صدق الشاعر أنه هو الشعب؟ أم أنه كان يلعب علينا لنصدق ذلك؟
وسؤال آخر: كيف نتأكد من أن الرئيس الخامس عشر لن يقول: أنا الدولة.
بالتأكيد: بالديمقراطية، فالطاغية لا يصنعه إلا منافق.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
زبيده عبد الخالق
قصيدة التيسيه المعمعيه (المقصود بمع في القصيده صوت الغنم )
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو حنين
مفال رائع
مفال رائع با استاذ محفوظ
عدد الردود 0
بواسطة:
عماد حسن صالح
قصيدة احمد مطر .....العرافه
عدد الردود 0
بواسطة:
د صفاء (العراق)
مقال صادق 100%