الديمقراطية قناعة وسلوك وليست قناعاً ووعوداً.. لذلك نجحنا فى الحصول على الديمقراطية وفشلنا فى البحث عن ديمقراطيين.. فشعبنا الجميل اللطيف المهاود تعود من آلاف السنين على المركزية، حيث يتمركز النظام والسلطة فى قبضة فرعون واحد نطلق عليه حامى الحمى وموزع إلهنا، فلما سقط الفرعون واختفى، ظهر داخل كل منا فرعون (نونو) لا يسمع إلا صوت عقله مهما نبغ أو غبا؟؟ ولا يرى الصواب إلا بعينه ولو كان مصابا بالعمى.. وإذا كان كل منا لا يرى ولا يسمع إلا نفسه فلا فائدة من الديمقراطية إلا فى الشعارات الانتخابية.. وقد تفشل لأن الناس لم تتعلم ولم تفكر ولم تفهم بعد، وقديما تنافس أحد المثقفين على مقعد انتخابى مع (معلم مواشى) فأخذ المثقف يخطب بين الناس بكلام (مجعلص) عن الديمقراطية وأيدلوجيات التعاون والمشاركة والالتحام الشعبى.. فلما جاء (تاجر المواشى) سأل الناس (فاهمين يعنى أيه ديمقراطى) فقالوا له (لا) فقال (يعنى مراتك تبقى مراتى والعياذ بالله).. وفازت المواشى وسقط المثقفون.
فنحن ننتظر من الناس الكثير ولم نعلمهم أى شىء إلا أن يعيشوا كالمواشى فى العشوائيات والمقابر والكفور، بل قسمنا نسلهم بين أطفال شوارع وأطفال مساكن، وكان تربية الشوارع شىء طبيعى فى دولة عمرها سبعة آلاف سنة.
ومنذ عدة أيام، أخذنى حظى السعيد إلى ميدان مصطفى محمود فى زيارة لأحد الأصدقاء، وفوجئت بحصار أمنى وأعداد غفيرة من عساكر الأمن الغلابة وسألت أحدهم (فيه أيه يا دفعة).. فأجاب بسخرية عشر عيال من بتوع مبارك عملوا مظاهرة عشان آلا أيه يكرموه أتلم عليهم ألف من بتوع الثورة وهات يا ضرب.. وإحنا فى النص مهروسين م الصبح).. وأنا لا أفهم لماذا يرغب البعض فى تكريم مبارك وعلى إيه؟؟ ولكن أفهم جيدا أن هذا من حقهم حتى لو اعتقدنا أنهم من الفلول أو الزبانية أو الثورة المضادة.
فالديمقراطية ليست أن تفعل وتقول ما تريد، بل أن يفعل كل الناس ويقولوا ما يريدون حتى لو اختلف البعض مع الأغلبية.. فحق الأقلية مثل حق الأغلبية لا يمكن التنكيل به أو قهره و حصاره.. ومهما بدت أفكار تلك الأقلية غريبة ولا منطقية، فهذا حقهم فى الديمقراطية التى ننادى بها منذ أول أيام الثورة.. فهل الديمقراطية حلال علينا وعلى الحبايب وحرام عليهم.. لا أعتقد.. ثم إننا نتفنن فى صناعة أزمة بدون لازمة..
الناس مازالت مقتنعة بفكرة مبارك الأب ومبارك الرمز ومبارك أول طلعة جوية، مبارك عليهم يا عم.. سيبهم يتظاهروا ويقولوا الكلمتين ويمشوا.. هذا حقهم وليس من حقنا مهما ظننا فيهم أن نمنعهم أو نتهجم عليهم، تلك هى أصول الديمقراطية أن ننبذ العنف من الحوار وأن نحذف القهر من السياسة.. من حقهم أن يقولوا كرموه ومن حقنا أن نقول حاكموه، وحتى لو خرج علينا من يقول رجعوه فهذا من حقهم ولو كانوا من المأجورين أو المجانين أو حتى العاشقين المتعودين.
لا جدال فى أن هذا حقهم وواجب على العامة احترام تلك الحقوق.. لأن الأمور لو استمرت بهذا المنوال فسوف تتحول الانتخابات إلى حرب شوارع وميليشيات عسكرية.. خاصة أن بعض أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية لا يصلحون فى نظر الأغلبية لإدارة محل طعمية، وعلى الرغم من ذلك سوف تجد الآلاف يدورون فى الشوارع وهم يهتفون الشعب يريد الطعمية.. الشعب يريد الطعمية.