المتأمل لحال مصر الآن بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على اندلاع ثورة 25 يناير المجيدة، سيعتريه الذهول من أن الشباب الذين قادوا الحشود من أجل إطاحة النظام السابق، بدأت صورتهم تشحب فى الصدور، وحضورهم يخفت على شاشة الأحداث. فى الوقت الذى يسطو فيه مجموعة من كبار السن والعواجيز على المناصب المهمة والمؤثرة فى اتخاذ القرار السياسى.
خذ عندك الوزارة الحالية التى يترأسها الدكتور عصام شرف منذ مائة يوم تقريباً، والتى قيل يومها إنها وزارة الثورة، فلن تجد فيها وزيراً واحداً ينتمى إلى جيل الشباب. فكل أعضاء الوزارة تجاوز الخمسين عاماً، وكثير منهم تخطى الستين، وهناك من قارب الثمانين، وواحد تعداها! بينما الذى نفهمه أن سن الشباب يجب ألا يزيد عن 35 عاماً. فكيف يعقل ألا تضم وزارة الثورة شاباً واحداً من الثوار بين أعضائها؟ (لاحظ أنهم رفضوا قبول استقالة الدكتور يحيى الجمل مؤخراً على الرغم من أن عمره 83 سنة، وهذا موقف غريب ومريب!).
أما حكاية مرشحى الرئاسة، فتلك طامة كبرى، ذلك أنهم جميعاً تجاوزوا الستين، إذا استثنينا الأستاذين حمدين صباحى وهشام البسطويسي، فالأول 58 عاماً والثانى 59 سنة. ومع احترامنا للجميع، فإنه من غير المقبول أن يترأس مصر رجل بلغ السبعين أو تجاوزها أو اقترب منها، فالسيد عمرو موسى 75 سنة، والدكتور محمد البرادعى، الذى لا يمكن إنكار فضله فى شحذ همم الشباب وإلهامهم، مولود سنة 1942 أى أن عمره 69 سنة الآن. أما أحمد شفيق ومجدى حتاته فقد بلغ كل منهما السبعين، وأظن أن السيد عبد الله الأشعل على أبوابها.
يبقى اثنان من مرشحى التيار الإسلامى لمنصب الرئاسة، وهما الدكتور محمد سليم العوا الذى أعلن عن نيته الترشح لمنصب الرئاسة من مسجد رابعة العدوية، وهو أمر خطير ولا يجوز، لأن المسجد دار عبادة الواحد الأحد فى السماء، وليس مكان للمنافسة على كرسى فى الأرض. أما الثانى، فهو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذى طردته جماعة الإخوان المسلمين من جنتها لأنه خرج على قرارها بعدم ترشيح أى من رجالها لمنصب الرئيس فى هذه الدورة على الأقل.
أظن أن كل مرشح منهما بلغ الستين عاماً إن لم يتعدّاها، ومع احترامنا للجميع مرة أخرى، فإن رئيس مصر المقبل يجب ألا يتجاوز عمره الخامسة والأربعين سنة.
لماذا؟
حتى يكون متمتعاً بالصحة الجسدية والكفاءة العقلية المناسبتين اللتين تؤهلانه لقيادة بلد تم إهماله ونهبه لمدة تزيد عن أربعة عقود، الأمر الذى جعل مصر العظيمة ترزح تحت كوابيس الفقر والجهل والقبح. وبالتالى فالرئيس الجديد لمصر سيكون فى انتظاره مهمات ثقيلة تحتاج إلى طاقة جسدية شابة وعفية لإنجازها. مهمات لن يقوى على مواجهتها رجل فى السبعين حتى لو كان ذا كفاءة سياسية كبيرة، لأن إمكانات العقل ومواهبه مرهونة بطاقة الجسد وقدراته على التركيز والمتابعة.
حسناً.. ماذا سنفعل إذن بأصحاب الكفاءات من كبار السن؟ لن نخترع العجلة من جديد، ذلك أن الدول الكبرى التى أنجزت الحضارة الحديثة تمنح هؤلاء مهمات استشارية، أى أن يتقدموا بأفكار وآراء ومقترحات فقط لا غير، لكن القرار ينبغى أن يكون بيد الشباب، لأنهم القادرون على متابعة تنفيذه وتصحيح الأخطاء أولاً بأول.
إن أكبر مشكلة تواجه الثورة المصرية الآن تتمثل فى أن الذين أشعلوا نيرانها وقادوها وأزاحوا النظام البائس، وهم شباب مصر بالأساس، لم يتسلموا السلطة بعد ذلك، ولم يشاركوا فيها حتى هذه اللحظة، الأمر الذى جعل أداء الوزارة الحالية أداءً عجوزاً يتسم بالترهل والإيقاع البطىء، ولنا فى مشكلة الانفلات الأمنى خير دليل.
دعك من السجال الدائر الآن حول الدستور أولاً، أم الانتخابات أولاً؟ لأن المهم حالياً هو الشباب أولاً.
باختصار إذا لم يتسلم الشباب مقاليد الأمور فى هذا البلد، فإن صلاح الأحوال أمر مشكوك فيه بكل أسف.
عدد الردود 0
بواسطة:
أيمن عبد الوهاب
صلاحيات الرئيس القادم