هنا فى مصر يمكنك بسهولة أن تعثر على الناس الأكثر كلاما عن المساواة والعدل وحق الآخر فى الحصول على ما يستحقه من الاحترام والتقدير، مهما كانت درجة اختلافه، ومهما كان نوع هذا الاختلاف.
هنا فى مصر يمكنك أن تسمع هذا الكلام بتنويعات مختلفة، مرة على الطريقة الشعبية «كلنا ولاد تسعة وبنسعى»، ومرة على طريقة المثقفين «كلنا بشر وكلنا ضد العنصرية»، ومرة أخرى على طريقة الشيوخ» الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى»، ومرة أخرى على طريقة المطحونين والغلابة «كلنا فى الهم واحد».
هذا ما ستسمعه.. كلام جميل وكلام معقول لا يقدر أى مجلس لحقوق الإنسان أن يقول حاجة عنه، ولكن تبقى المشكلة فى أن ليس كل ما تسمعه هنا صحيحا، وإلا فبماذا تفسر ما يحدث للمعاقين أو ذوى الاحتياجات الخاصة فى هذا البلد الذى يقال فيه الكلام السابق وكأنه حقيقة؟
قبل أن تنتهى من قراءة تلك السطور أو تقرر كيف ستتعامل مع قضية المعاقين فى مصر، أو تسعى لتحليل مظاهراتهم الغاضبة، وقبل أن تسقط فى فخ الوقاحة الإنسانية كما فعل بعض المسؤولين أو المثقفين أمام الكاميرات حينما اتهموهم باستغلال أجواء الثورة والتظاهر للمتاجرة بإعاقتهم.. توقف لحظة واعلم أننا نتكلم عن 8 ملايين مصرى قرر القدر أن يمنحهم لقب ذوى الاحتياجات الخاصة، وقررنا نحن فى مصر أن نعذبهم بهذا القرار لا أن نعينهم عليه، وتخيل كيف يعيش هؤلاء إذا كان الأصحاء يشكون من المواصلات وسوء الطرق وطوابير الروتين ودوخة المصالح الحكومية؟
أزمة المعاقين الحقيقية الآن تكمن خطورتها فى القوانين التى لا تمنحهم حقوقهم وفى فى حكومة بعد الثورة التى تتهمهم بتعطيل عجلة الإنتاج بمظاهراتهم الفئوية، ولكن يبقى جرم الدولة الأكبر والأسوأ أنها أسقطت المعاقين فى مصر من أجندتها تماما وتعاملت معهم بطريقتين، كل واحدة منهما تمثل كارثة إنسانية، الطريقة الأولى تعاملت الدولة من خلالها مع المعاقين وكأنهم عالة على المجتمع وعبء ثقيل تتجنبه ولا تفكر فى حلول لمشاكله، والطريقة الثانية هى إسقاطهم تماما من الحسابات، وتبقى آثار كلتا الطريقتين واضحة فى المشهد النهائى لحال المعاقين فى مصر، سواء فى قانون الـ5 % الذى يلزم كل صاحب عمل بتعيين هذه النسبة فى مصانعه أو شركاته، وهو القانون الذى يظهر مدى استهتار الدولة بالمعاقين حينما تكتشف أنها وضعت غرامة لا تتعدى 100 جنيه مصرى لمن لا يلتزم بتعيين هذه النسبة من رجال الأعمال وأصحاب الشركات.
نحن أيضا ظلمناهم، بل كنا أكثر ظلما لهم من الحكومة حينما حاول الكثيرون منا أن يسرقوا القليل من حقوقهم، ظلمناهم وسرقناهم حينما هرول البعض منا للجلوس فى أماكنهم فى المواصلات والمصالح، وحينما سرق البعض مكان ركن السيارات المخصص لهم، وحينما استخدمهم بعضنا للتحايل على القانون من أجل شراء سيارة أرخص سعرا، وحينما تعمد أغلبنا مصمصة الشفايف وإظهار كل ملامح الشفقة عندما يشاهدهم أو يتطوع لمساعدتهم.. نحن ظلمناهم لأننا كنا نسعى لإقناعهم بأن إعاقتهم عجز يستلزم جلوسا فى البيت، ولم نساعدهم فى التعامل مع الحياة بشكلها الطبيعى، وبعضهم أيضا ظلم الكل وظلم نفسه حينما استسلم لما فعله القدر وما فعلته الحكومة وما فعله الناس به، وقرر أن يتقوقع داخل إعاقته متخيلا أن العالم انتهى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ممدوح أحمد
لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
عدد الردود 0
بواسطة:
حسام العيسوي
الله عليك يا أستاذ محمد
عدد الردود 0
بواسطة:
نحن قوم اعزنا اللهبالاسلام فان ابتغينا العز فى عيره اذلنا الله
قانون الخليفة عمر بن عبد العزيز للكفيف
عدد الردود 0
بواسطة:
شاهين اسكندر
الرحمة من عندك يارب
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamed elsafy
شكرا يا مستر محمد والله إنت مبدع فى طرح للمواضيع
لا تعليق
عدد الردود 0
بواسطة:
زين عبد الرحمن
الاستاذ دسوقى
عدد الردود 0
بواسطة:
عمر عبد الله
المعاقين ليسوا 8 مليون