قلت من قبل إن أفضل طريق لدعم ثورة 25 يناير هو ألا ننافق ثورة 25 يناير وأهلها، وسأظل أقول ذلك طالما ظلت عمليات «النفخ» فى الثورة وشبابها مستمرة بهدف الفرقعة، جهات ما تستميت فى تفخيم الثورة وشبابها ووصفها بقوة ليست فيها، وإظهارها وكأنها نجحت فى تغيير كل شبر من أرض مصر، وبالتالى لا داعى لأى كلام حول استكمال مسيرتها، وسبب تلك الفعلة الكاذبة فى رأيى أمران لا ثالث لهما سوى الشيطان!
الأمر الأول يتعلق بنفاق السادة المتحولين، الذى ربما يكون دافعا وراء عمليات التلميع، أما الأمر الثانى فيتوقف على مدى نوع النفاق، هل هو وسيلة يستخدمها المتحولون للحصول على الرضا الشعبى، أم لعبة هدفها حقن شباب الثورة بالغرور الذى يصنع فرقة وضعفا فيما بعد؟ وأنا منحاز للمقطع الثانى أكثر.
وعلى عكس حقن الغرور تلك، تعالَ نعترف بأن الثورة المصرية تعانى من أنيميا حادة وضعف، لأنها ضربت ضربتها القوية وأطاحت بحسنى مبارك ورجاله ثم جلست تستريح، وغفلت عن قطاعات أهم فى الدولة، أهم من حيث تأثير ما تعانيه من بقايا فساد على مسيرة الثورة ومسيرة مصر المستقبل بشكل عام.
لم تدق الثورة على باب الإعلام فظلت الأكاذيب على حالها، ولم تطرق باب القضاء، فظلت حالة عدم الثقة موجودة، وظلت أسئلة من نوعية: هل محاكمات مبارك ورجاله تتم بتويجهات سياسية؟ أم تخضع لضغوط الرأى العام؟ مجرد أسئلة صعبة حائرة لا تجد إجابة، لن تنجح الثورة المصرية ولن تخلق وطنا أقوى إلا بعد أن تزور الثورة استديوهات الفضائيات والإذاعات، ومنصات القضاء وقاعات المحاكم، وهل يعقل أن تضرب ثورة تغيير فى ربوع الوطن بينما عدد من قضاة مصر مازال مقتنعا ومؤمنا بأن أبناء المستشارين من «عجينة وطينة تانية» أرقى وأنظف من الطينة التى خلق الله منها بقية المصريين؟ هل يعقل أن تشتعل ثورة من أجل إرساء قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، بينما يخرج رئيس نادى قضاة مصر متحديا كل تلك القيم معلنا دون خوف أن أبناء القضاة أولى من غيرهم بمنصة العدل؟ بل ويتمادى الرجل الذى لم يخبره أحد بأن ثورة ما قد اشتعلت فى مصر، بوصف كل من أثار موضوع تعيين أبناء المستشارين بأنه حاقد.
هل يعقل أن ينتفض قضاة مصر لأن مستشارا جليلا مثل محمود الخضيرى قال بوجود بعض من الفساد دخل مؤسسة العدالة فغضبوا وكأن الرجل طعن فى نورانية ملائكة السماء أو معصومية الأنبياء؟ كل منا يملك حدوتة مثل الذى يتحدث عنها المستشار الخضيرى، وربما لديه منها الكثير شفهيا على الأقل، حواديت تثبت أن بعضا ممن يجلسون على منصة القضاء فى مصر لم يستديروا برؤوسهم يوما ما ليقرأوا تلك اللوحة التى تتصدر الحائط وتخبرهم بأنهم إذا حكموا بين الناس فليحكموا بالعدل، أو ربما قرأوها حين غفلة، ولكنهم لم يدركوا معنى كلمة العدل، أو لم يلتقوا بها مسبقا فى تفاصيل حياتهم العادية، فهل تفعلها الثورة وتدق الباب وتدخل وتأتى بتلك اللوحة من خلفهم وتضعها أمام العين؟!