حنان حجاج

فى شارع الجلاء

الجمعة، 03 يونيو 2011 12:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صباح الخير يا ثورة.. أنظر لجملتى الأثيرة التى كتبت بخطأين إملائيين «مصر هتفضل غالية عليا» وأبتسم، معلش.. ربما كتبها متعجلا، وربما نظام التعليم الفاشل.. أمرّ أسفل كوبرى 6 أكتوبر بشارع الجلاء وأنظر مرة أخرى لعامود الكوبرى الذى يحمل الجملة، وأتنفس هواء الشارع الذى لا مثيل له فى التلوث ولا أهتم.

قرأتها أول مرة صبيحة يوم الأحد 30 يناير بينما كان كسر زجاجات المياه الغازية التى كان جنود الأمن المركزى يلقونها على المتظاهرين تملأ أرض شارع الجلاء، والثورة تشتعل فى الميدان.

شارع الجلاء الذى ظل يثير بداخلى سؤالا واحدا على مدى 14 عاما فى رحلتى اليومية من وإلى الأهرام: لماذا لا يثور المصريون؟!

شارع الجلاء الذى تغلقه عربة الفول الصباحية تحت كوبرى 6 أكتوبر بطابور الوجوه المنهكة بعد ليل من النوم المرهق، وأسأل نفسى هل يمكن أن يكون هؤلاء مستعدين فعلا للذهاب للعمل؟ بينما صاحب العربة يلقى بجردل ملىء ببقايا فتات العيش والفول بعد عملية غسيل صورية لا تقارن بعمليات غسيل الأموال التى كانت تتم كل يوم، فلا وجه للمقارنة بين غسيل الأطباق وغسيل الأموال.

سيارات الميكروباص تصرخ باتجاهات خط السير، ونساء بدينات يجرين للحاق بموعد العمل، ونسبة تلوث يقولون إنها الأعلى فى العالم، وأم عبده العجوز بائعة الأقلام لا تجد مشترين لبضاعتها التى نافسها فيها كتاب عظام باعوا أقلامهم قبلها بسنوات، ورائحة السمك الذى طالما تراهنت مع زميلاتى أنه فاسد تفوح لتنافس رائحة الباذنجان على عربة الفول.. صرخات الباعة الجائلين غطت على صرخات النساء فى مخاضهن بمستشفى الجلاء للولادة القريب، كنت أبتسم فى مرارة عندما أخمن أنهن ينجبن نكاية فى الرئيس الذى كان يطل بوجهه الجامد يتهمنا بأننا سبب بلاء البلاد. أعبر من الشارع ويعتصرنى السؤال المؤلم متى يثور هؤلاء؟ أتوبيسات النقل العام تجرى بسرعة من يريد اللحاق بآخر عربة قطار، ثم تتوقف فجأة لتلقى بحمولتها من أجساد منهكة وتعبئ أجسادا أخرى طال انتظارها تحت الكوبرى وبنفس العجلة تغلق الأبواب ويتساقط البعض أرضا وينهضون يسبون السائق والبلد وكل شىء.. لكنهم لا يثورون!!! متى يثور هؤلاء؟! لماذا لا يخرج جنين الثورة من رحم مصر بينما آلاف النساء يلدن كل يوم فى أشهر مستشفى للولادة بشارع الجلاء، طال المخاض لدرجة مؤلمة، تفجرت كل ينابيع الفساد ونمت كل نباتات الشيطان وهم لا يثورون!!

فى نهاية الشارع هناك فى ميدان رمسيس رفع الوزير الفنان تمثال الملك العظيم من الميدان لطمس أعظم معالم الميدان، بينما أكد بعض العارفين ببواطن الأمور أن تمثالا بديلا للفرعون «الرئيس» سيحتل مكانه، وهل سيتركون الميدان بلا تمثال؟! تحت الأرض محطة مبارك وفوق الأرض تمثال مبارك وتبقى سماء مصر التى ربما كانوا يستعدون للكتابة عليها سماء مبارك.. لماذا لا يثور المصريون؟!!

جراج ميدان رمسيس الذى أنفق عليه أكثر من 30 مليون جنيه وتوقف العمل فيه فجأة لأسباب لم يعرفها أحد، وتراوحت بين أنه تشويه للميدان الذى كان ينتظر تمثال الرئيس وبين أنه ربما يعوق إجراءات تأمين موكب الرئيس فى رحلته السنوية من وإلى مجلسى الشعب والشورى.. لماذا لا يثور المصريون؟!

فى شارع الجلاء الاتحاد العام لنقابات العمال، عمال مصر الذين باعوا مصانعهم فى صفقات الفساد وبقى العمال يبكون صروحهم بينما كان حسين مجاور رئيس الاتحاد وعضو الحزب الوطنى الحاكم ينافس وزيرة بالابتدائية على كرسى وزارة بلا عمل إلا إلحاق نساء مصر بالعمل كخادمات فى دول الخليج.

مبنى محكمة الجلاء وعذابات الباحثين عن حقوقهم وسط منظومة حكم لم تدع شيئا إلا أفسدته، وحيث يقف المحامى الملتحى الشهير يفاوض أهالى المعتقلين السياسيين ومن تعرضوا للتعذيب فى نسبته مما سيحصلون عليه من تعويض مقابل مسجونيهم.. لماذا لا يثور هؤلاء؟!

شارع الجلاء هو مصر بكل متناقضاتها.. الزحام، والتلوث، وأتوبيسات النقل العام، وباعة الشارع المطاردون، والنساء الكادحات، وقضاء الحاجة خلف أعمدة الكوبرى فى مشهد ينتهك فيه البشر آدمية أنفسهم لأنهم لا يجدون البديل.. هو شارع الجلاء لحظة غروب شمس يوم 28 يناير ومعها غروب حكم فاسد وانكسار أمن متجبر عندما صرخ شاب فى السابعة مساء «البلد بتاعتنا الأمن هرب».. شارع الجلاء حيث أجمل جملة ألقى عليها كل يوم تحية الصباح «مصر هتفضل غالية عليا».. الشعب ثار.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة