مثلها مثل الزمار، تموت وزارة الداخلية ولا يكف بعض رجالها عن التلفيق والتعذيب، الحوادث المتلاحقة تؤكد أن الداخلية، رغم كل إعلانات تحسين الصورة، لم تدخل بعد مجال الثورة، أو بمعنى أدق لا تزال ورقة النتيجة المعلقة على حائط مكتب السيد وزير الداخلية وكبار القيادات تشير إلى يوم 24 يناير، وتوحى لهم بأن النظام كما هو، وأن سلطة رجل الشرطة مازالت مطلقة، وأن أى بدلة بدبورتين تستطيع أن تضرب السائقين المخالفين للمرور بالأقلام والشلاليت كبديل عن تطبيق القانون.
أنا وأنت وكل عاقل فى هذا البلد ضد البلطجة، ومع استخدام أعنف مواد القانون وربما البطش من أجل مواجهتها، ولكننا ننسى دائما أن نقول إننا ضد الشرطى البلطجى أكثر مما نحن ضد المواطن البلطجى، لأن الأول يشوّه صورة القانون حينما يستخدمه للبطش بالناس، بينما الثانى تتوقف جريمته عند مخالفة القانون.
ما حدث فى قسم الأزبكية دليل قاطع على أن السادة فى الداخلية لم يفيقوا بعد من «خضة» 25 يناير، وأن أحلامهم فى إخضاع الناس وسماع كلمة «يا باشا» ورغبتهم فى مشاهدة رؤوس الغلابة والسائقين منكسرة وذليلة، لا تزال تسيطر على عقولهم، بدليل أن السيد مأمور القسم اختار أن يصفع السائق على وجهه قبل أى كلام - حسب رواية شهود العيان وليس بيان الوزارة المعتاد - وبالتالى رد السائق الذى تخيل فى لحظة أن ثورة 25 يناير قد شطبت هذه المعاملات من قاموس الداخلية بضربة رأس قوية فى وجه المأمور تحرك على أثرها الجنود لضرب السائق وسحله حتى الموت، طبعا هذه الرواية تختلف تماما عن بيان الداخلية الذى قال إن المأمور ذهب بكل أدب ليخبر السائق بأنه مخالف لقوانين المرور، فرد السائق على أدب المأمور بالضرب والشتيمة، وفجأة ثارت النخوة فى قلوب المواطنين وضربوا السائق حتى الموت، بينما كان العساكر والضباط والجنود مؤدبين لم يصدر عنهم «شلوت» واحد دفاعا عن مأمورهم.. شوفت إزاى؟!
الرواية التى وردت فى البيان الرسمى تؤكد بلا شك أن الأخ كاتب بيانات الداخلية الشهيرة مثل بيانى خالد سعيد والقديسين وغيرهما، لا يزال فى موقعه يمارس عمله بنفس الطريقة، وبنفس السذاجة الفكرية، والتشكيك فى هذا البيان جائز ومنطقى.. جائز لأن تاريخ الشرطة معنا فى الكذب وتلفيق البيانات والقضايا أسود، ومنطقى لأن الرواية تعانى من تخمة تناقضات، فلماذا يتظاهر المواطنون أمام قسم الأزبكية، إن كانوا هم قتلة السائق على مرأى ومسمع جميع من كانوا فى الشارع؟ وكيف نصدق رواية وزارة الداخلية فى الوقت الذى شهدت فيه الفترة الأخيرة أكثر من حادثة تم فيها ضبط رجال أمن متلبسين بارتكاب أفعال ما قبل 25 يناير المشينة مثلما حدث مع مأمور طوخ - هذا «المقلبظ» الذى لا تؤهله تضاريس جسده لحراسة عقار من دور واحد - والذى تم ضبطه بالصوت والصورة معتديا على مواطن بالضرب وتلفيق قضية لأنه تجرأ ورفض أن يخضع لرغبات بنت الباشا المأمور التى تريد أن تجلس بجوار صديقتها فى الميكروباص، وعموما يبقى ما حدث فى الأزبكية ردا عمليا على كل الأسئلة المتعلقة بالانفلات الأمنى وغياب الشرطة، رد عملى يؤكد أن اللواء منصور العيسوى وقيادات الداخلية لم يدركوا بعد أن المواطن المصرى بتاع «يا باشا.. وتحت أمرك يابيه» أصبح شخصا آخر بعد 25 يناير.. فهل يفهمون؟!