من حق عائلة المشير عبد الحكيم عامر أن تسعى جاهدة لإثبات أنه لم ينتحر، وإنما تم قتله بسبب نكسة 5 يونيو عام 1967، ومن حق العائلة أيضا أن تتقدم بكل ما بحوزتها لتبرئة ساحته من مسؤوليته العسكرية عن النكسة، لكن فى المقابل ليس من المعقول إغفال حقائق هامة حول القضيتين جاءت فى شهادات موثوق بها، وأتوقف هنا أمام شهادة الدكتور ثروت عكاشة، أهم وزير ثقافة فى تاريخ مصر، وأحد أفراد تنظيم الضباط الأحرار الذى قاد ثورة يوليو 1952، كما أنه كان صديقا شخصيا لعبد الناصر وعامر.
المثير فى شهادة عكاشة التى جاءت فى «مذكراتى فى السياسة والثقافة»، أنها تكشف عن عزم عبد الحكيم على الانتحار، ويتحدث فى ذلك عن واقعتين محددتين، الأولى أنه تلقى فى ساعة متأخرة من ليلة 8 يونيو اتصالا من صلاح نصر، مدير المخابرات العامة، يبلغه أن عبد الحكيم عامر عقد العزم على الانتحار، ورجاه لما يعرفه من ود قديم بينه وبين عامر أن يسرع إليه عسى أن يثنيه عما اعتزمه.
وينقل عكاشة أيضا اتصالا من شمس بدران، وزير الحربية وأحد رجال عامر، إلى عبد الناصر يقول فيه: «أنا أخشى على المشير أن ينتحر إذ معه فى حقيبته أقراص «السيانيد»، وإذا لم تأت لترده عن ذلك فسيقتل نفسه»، ورد عبد الناصر: «سأكون عندكم بعد خمس دقائق، رغم ما لقيته على أيديكم من استهتار بى».
فى المذكرات تفاصيل كثيرة عن الأجواء التى أحاطت بالعلاقة بين عبد الناصر وعامر فى هذه الأيام وما قبلها، أبرزها أنه كان أولى بعامر بعد العدوان الثلاثى عام 1956 أن يعترف بأنه لا قدرة له على أن يتحمل تلك الأعباء، ويتخلى عن منصبه لغيره ممن هو أكثر حنكة وتجربة وخبرة.
المهم أننا أمام وقائع تؤكد نية عامر على الانتحار منذ أن أصبحت النكسة حقيقة على الأرض، فهل يتم إغفال ذلك فى التحقيقات التى قيل إنه سيعاد فتحها من جديد.