محفوظ عبدالرحمن

أيتها الثورة.. كم من الجرائم تُرتكب باسمك!

الخميس، 09 يونيو 2011 05:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صديقى الذى كان يصحبنى فى السيارة أخذ ينبهنى إلى سيارة أخرى بالقرب منها، وراوغت فى تتبع السيارة الأخرى، إذ كنت قد تنبهت إليها قبل أن يلحظها، ورغبت فى تجاهلها.
وكان صديقى يعرف ولعى بما هو مكتوب على السيارات من كلمات يكون لها أحياناً مغزى عميق، وهو ولع بدأ منذ أن عشت كتاب «هتاف الصامتين» الذى كتبه الدكتور سيد عويس، ولابد أنك لاحظت أننى قلت إننى عشت الكتاب ولم أقل إننى قرأته، ولقد أخذت- فى ظنى- التعبير الصحيح. وكان الكتاب يتناول- لمن لم يحظ بقراءته- دراسة تحليلية لما هو مكتوب على السيارات من شعارات أو حكم أو تعبيرات تدل على آراء خفية أو تلميحات لما هو أكبر.
وكان من حسن حظى أننى كنت موجوداً عندما اعتذر يحيى حقى عن عدم مراجعة كتاب للدكتور سيد عويس عن رسائل المصريين إلى ضريح الإمام الشافعى، التى يطلبون فيها غالباً تحقيق أمنياتهم، وعرفت أن سبب اعتذاره هو أن الكتاب كبير وأن القراءة أصبحت عسيرة عليه، وعندئذ تطوعت أن أقرأ له الكتاب، وهو الأمر الذى استمر أسابيع، وكان من أفضل ما تحقق لى فى حياتى، كنت أذهب إليه لأقرأ جزءاً وما إن يمر سطر أو فقرة حتى يعلق مبيناً معناها، متدفقاً إلى موضوع آخر، وأظن أن هذه الجلسات لو كانت قد سجلت بطريقة أو بأخرى لكانت كنزاً ثقافياً للبشرية، ولكن ما حدث أنها كانت كنزاً شخصياً لصاحب هذه السطور.
وبعد إلحاح من صديقى الذى كان يصحبنى فى السيارة كما أشرت فى أول الحديث- اعترفت بأننى رأيت ما هو مكتوب على السيارة الأخرى: «ماحدش فاهم حاجة».
وقال صديقى إن كاتب العبارة هو شخص شديد الثقافة، فنحن فعلاً «مش فاهمين حاجة» ونتحدث كثيراً، ونتشدق بالكلام لكنه مجرد كلام بلا معنى.
دخلنا فى نقاش طويل فالقاهرة شديدة الزحام، ولأن الزمن امتد كان لابد أن يشاركنا السائق:
- تصوروا يا بهوات أن الضابط طلب من السائق «رخص» السيارة فصرخ فيه السائق مهدداً: رخص إيه وبتاع إيه، ألا تعرف أننا فى ثورة؟
وهكذا أصبح معنى الثورة هو أن تقود السيارة دون معرفة، أو دون رخصة، وهو مفهوم لابد أن يكون مثيراً للذين يرصدون الثورات عبر التاريخ.
وكان، شيئاً فشيئاً، أن أعبر عن دهشتى، فأنا مع كل الثورات عبر التاريخ، ومع تحطيم التابوهات، وفى فترة من الفترات أحببت النهلستية، وكنت دائماً مع أقصى حدود الحريات، لكننى للأسف لم أستوعب فكرة أن يقود أحد السيارة بدون «رخصة»، وأن يكون هذا من قبيل الحريات، وأن تقوم من أجل ذلك ثورة!
ووصلنا إلى المكان الذى نقصده، والذى رتبنا له منذ أيام، وتوقعنا أن يتفرغ لنا صاحب الشأن، لكنه لم يفعل وإن حاول، وكانت الحكاية التى عرفناها بعد قليل أن مسؤولاً عاقب موظفا لخطأ اقترفه، وهى كما ترى كبيرة لا تغفر ولذلك أتى الموظف إلى مكتب المسؤول فوجد عنده شخصين قال لهما إن هناك من يطلبهما فى الخارج، وفعلاً خرجا، وعندئذ التقط «جركن» مليئاً بالبنزين من خلف الباب، وأغلق الباب بالمفتاح، وأغرق المسؤول بالبنزين، وأراد إشعال «الولاعة» ولكنها كانت من نوع ردىء فتعطلت، فضلاً عن أن من فى الخارج أدركوا ما يحدث فكسروا الباب، وهكذا أحبطوا الانتقام الثورى، الذى استهدف حياة المسؤول، ولم يخطر على بال صاحبنا أنه فى ذات الوقت كان ربما سيحرق آلاف الوثائق التى لا نظير لها.
فى الثورة الفرنسية قيلت الكلمة الشهيرة: أيتها الحرية.. كم من الجرائم ترتكب باسمك.
وثورتنا ترتكب باسمها جرائم، فلنحافظ عليها.








مشاركة

التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

مجدي المنسي

ثورات يوك أفندم

عدد الردود 0

بواسطة:

مواطن مصرى

تغيير زعماء المافيا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة