مازلنا نتفرج على مسلسل الـ«إى كولاى»، ونقترب من حالة استعذاب الخوف المستورد، الذى هو أفضل من الرعب المحلى. بدأ الفصل الثانى من فيلم الـ«إى كولاى»، مع ظهور حالات اشتباه عندنا، وننتظر حالات شبه مؤكدة، ليبدأ الفصل التالى، وتنتقل المؤتمرات من أوروبا لعندنا، ويطل علينا نجوم الصحة العالمية، بالبيانات العسكرية، عن عمليات رصد العدوى، وخطط متابعة ومراقبة الخيار الإسبانى، وتحسس الطماطم الفرنساوى، والتين الشوكى.. سوف تشغلنا الـ«إى كولاى» وننسى، كبدنا الوبائى وفشلنا الكلوى.
لا نشكك فى نية منظمة الصحة ولا نسخر من جهودها كما يعتقد البعض، فهؤلاء فى النهاية، أناس مهمتهم حماية العالم، لكن علينا أن نسأل: لماذا لا نهتم بقضية إلا عندما يتبناها العالم المتقدم؟ لقد انتهى فيلم « إتش 1» كما بدأ ولم نفهم منه شيئا، ويومها كانت وزارة الصحة تعقد غرف عمليات لمواجهة مرض قتل أقل من 400 فى سنوات، وتتجاهل أوبئة تقتل المئات سنويا، بل إنهم كانوا يتحدثون عن ضرورة استخدام المطهرات، وغسل الأيدى، بينما جبال القمامة كالأهرامات فى الشوارع والذباب يشاركنا الهواء.
ثم إن منظمة الصحة العالمية، ليست بعيدة عن تأثيرات شركات الدواء الكبرى، وقبل خمس سنوات أشارت الـ«لوموند دلوماتيك» الفرنسية إلى أن المنظمة تخضع أحيانا لتأثيرات شركات الدواء التى تقدم للمنظمة كميات من الأدوية مقابل توجيه ربما غير مباشر لسياساتها فى الدعاية لأمراض تعالجها أدوية هذه الشركات.
ونحن نعلم أن صناعة الدواء بيزنس ليس له قلب يهتز لآلام المرضى.. بل جيب يطرب للمليارات.
ربما ليس فى الأمر نظرية مؤامرة لكن نظرية مصلحة، لكن المصلحة تغنى عن أى مؤامرة، وتجعل المواطن العالمى مستورداً للخوف.. الخوف نفسه له ثمن.
وفى كل كارثة، تجد أناسا يبتسمون، ويفكرون فى حجم مبيعاتهم.. فى أنفلونزا الطيور والخنازير وجنون البقر، ربحت شركات ومنظمات، ومعها أجهزة الدعاية، التى تبيع الرعب ممزوجا بالإعلانات. قبل وبعد الفاصل، وكلما صنعت رعبا أكبر ربحت أكثر، وراء كل هذا رجال ونساء بيزنس، يريدون الربح، ما نراه فى الفصل الأول من فيلم الـ«إى كولاى» رأيناه مع جنون البقر، وأنفلونزا الطيور، والخنازير، الـ«إى كولاى» هى موضة الرعب هذا العام، بكتيريا وليست فيروسات. بعض الأطباء قالوا إن هذا المرض موجود طوال الوقت، يقتل أحيانا، لكن حملة الدعاية تستخدم كلمة السر «التحور» ثم يظهر الكلام عن المضادات الحيوية، وتظهر شركات الدواء.
ويبقى المواطن العوالمى متفرجا أو كومبارس، وطبعا.. نحن نستورد كل شىء، الأبرة والصاروخ، الملابس والسلاح، والأكل والشراب، والإنترنت وجوجل وفيس بوك وأنفلونزا الخنازير، وجنون البقر، والدواء، والأمصال، وقطارات النوم، وعربات المترو، والسيارات ومناهج التعليم، والأفلام المترجمة، ومجلات البلاى بوى، والتلوث، والسلاح، والـ«إى كولاى».. ونستورد معها الخوف، وندفع ثمنه مضاعفا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة