مظاهرات تحتاج لتفسير

أنا لست مع المظاهرات التى اندلعت ليل الاثنين بعد اشتباكات بدأت أمام مسرح البالون، وانتقلت إلى ميدان التحرير الذى تحول إلى ساحات حرب بالحجارة والأعيرة النارية، فلا هى رفعت شعارا جامعا يلتف حوله الجميع، ولا هى تعد امتدادا لأيام الميدان الذى احتشد فيه الملايين حتى يوم 11 فبراير بإعلان الرئيس السابق حسنى مبارك تنحيه عن الحكم.

أحسب أن ما حدث ليل الاثنين وامتد حتى الثلاثاء يحمل لغزا كبيرا فى تفسيره، بدءا من تبادل إطلاق النار والاعتداء بالشوم أمام مسرح البالون، فيما يعنى أن بعض الذين توجهوا إلى البالون كانوا مستعدين لفعل ما، وهذا ما قاد إلى وجهة النظر التى تتهم فلول الحزب الوطنى بالمسؤولية، على خلفية الحكم الصادر فى نفس اليوم بحل المجالس المحلية.

فى المقابل رأى البعض أن ما حدث يعود إلى التباطؤ فى محاكمة أركان النظام السابق، وبالتحديد محاكمة اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية، وإذا أخذنا بالرأى الأول فسنستريح، ونعتبر أن ما حدث من تخريب هو من صنع «شياطين الوطنى»، أما إذا أخذنا بالرأى الثانى فسيكون ذلك هو المصيبة بعينها، لأن المفترض أن من يحتجون على تباطؤ محاكمة أركان النظام السابق لديهم وعى سياسى لا يقودهم إلى التعامل بالطريقة التى شاهدها الملايين على شاشات التليفزيون، وظهر فيها موتوسيكلات ودرجات بخارية بدون لوحات معدنية يقودها وجوه تتجول فى الميدان براحتها، وأثق فى رأى المستشار زكريا عبدالعزيز الذى قال من واقع ذهابه إلى الميدان ليل الاثنين: «إن المدبرين للحادث كانوا يضربون ناسا من أسر الشهداء والمصابين»، وهو ما يعنى أننا أمام حالة سادت فيها البلطجة بنبل المطالب، لكن صوت البلطجة كان هو الأعلى، وهو ما يقودنا إلى القول بأن هذه المظاهرات لم تجد تعاطفا شعبيا عكس المظاهرات السابقة.

فى كل الأحوال نحن أمام مشهد يستوجب قراءته بعين أخرى، ليس من القوى السياسية العاقلة والرشيدة التى يجب أن تأخذ زمام المبادرة فى مثل هذه الظروف الصعبة، وإنما من كل الذين يمتلكون نقاء ثوريا، الذى يقود أحيانا إلى الرغبة فى التظاهر من باب فائض الرغبة فى مواجهة السلطة.. أى سلطة.