كنا نتكلم عن كبد المصريين بوصفه واحدا من الأعضاء الجسدية الذى يحمل أكبر إدانة للحكومات السابقة التى أهملت صحة المصريين، ومع ثورة 25 يناير تركز الحديث على السياسة، ونسينا ملفات هامة من بينها ملف الكبد وأمراضه.
أقول هذا الكلام على خلفية تقرير هام للزميل نبيل عمر فى عدد الأهرام أمس الأول، إلى ما جاء فيه، إن لم ننتبه ستأتى سنوات تلتهم فيها أمراض الكبد سكان الدلتا بالتحديد، حمل التقرير معلومات خطيرة، جاءت على لسان الدكتور محمد عبد الوهاب، رئيس جمعية جراحى الكبد والبنكرياس، تتعلق بأسباب متنوعة ترشح الفتك بالكبد، أهمها أنه من خلال عمله الدائم بمعهد الكبد فى المنصورة، لاحظ أن معظم المرضى القادمين إليه من محافظات الدلتا، وهم فلاحون يستخدمون مياه المصارف فى الرى فى الفترات التى تقل فيها مياه الترع والرياحات، كما أن أعدادا كبيرة من المصريين يستسهلون المرض والموت، فيلقون فى المجارى المائية بمياه الصرف الصحى، بالإضافة إلى وجود مئات الزوايا والمساجد على ضفاف المجارى المائية، تتخلص من نفايتها فيها ثم تروى بها الأرض الزراعية، كما يتم إلقاء الحيوانات النافقة والزبالة فى مياه النيل، كما لو أننا نتآمر على أنفسنا.
و كما يقول الدكتور محمد عبد الوهاب فإنه حين تسكن هذه الملوثات فى الكبد، تلعب فى تركيبة خلاياه، وبدلا من أن يكون مصنعا للتنقية ينقلب إلى وحش سرطانى يقتات على جسد صاحبه، والمضحك المبكى فى كلام الطبيب الشهير، قوله إن أطباء فى النرويج وأسكتلندا يحسدونه على كثرة المرضى عنده بسبب الأبحاث التى يجريها عليهم، لأن الأمراض الناتجة عن تلوث الطعام والمياه اختفت من العالم كله، و هذا الكلام الخطير، الذى هو فى الأصل ليس جديدا، جريمة أخرى تضاف إلى جرائم النظام السابق، غير أن هذا هو الأسهل فى توصيف الحالة.
وتبقى الصعوبة فى مواجهة هذا الملف الخطير، الذى يجعل ملايين المصريين فى قرى مصر وفى مقدمتها قرى الدلتا، مجرد مشروعات للموت، والسؤال: كيف نجعل حديث السياسة الذى لا يوجد مصرى لا يتحدث فيه، يسير جنبا إلى جنب مع هذا الملف الخطير؟.