أحمق أنا.. أقر وأعترف توقيعاً وبصماً وقسماً.. وساحة حماقتى ليست مجرد مناهضة رؤسائى فى العمل وهو الموقف الذى ورثته عن أبى وجدودى فنحن عائلة ممتدة الموقف العدائى من الرؤساء.. ولكن ساحة حمافتى اتسعت لتشمل دائماً الأغلبية من غير الرؤساء حيث تنتابنى رغبة دائماً فى إعلان مواقف لا تقرها الأغلبية لحظة جهرى بها فأنال شرف عدائهم حتى لو ثبت لهم صحة موقفى بعد ذلك.. أراها أحياناً شجاعة وأحياناً "داء" ويرونها دائماً حماقة.. ماعلينا نعود ل "كاريكا" و"كاباكا" و"أبو ريان".
"كاريكا" و"كاباكا" و"أبو ريان".. ثلاثة بلطجية "متصيتين" لدى أهل منطقة شعبية بإحدى المحافظات الكبرى.. سيرتهم تكفل لهم الحصول على مايرونه أو ما استُئجروا من أجله دون عناة الدخول فى معارك.. فلهم من السيرة الذاتية ذات الطابع الأسطورى المُطعم بالخيال الشعبى ما يكفى لبث الرعب وترويع أى إنسان وتسليمه لهم بما يريدونه حفاظًاً على حياته.
هم نتاج الخلل الأمنى للنظام السابق وهم أيضاً أصحاب الحظوة وأبطال مشاهد البلطجة فى النظام الحالى.. لم يبالوا بأجهزة الأمن بكل جبروتها قبل يناير وأيضاً لم يزعجهم ظهور الجيش بكل معداته بعد الثورة، يظهرون دائما مدججين بالسيوف والأسلحة البيضاء، وينطقون بحروف بطيئة تخرج من أفواههم نتيجة تعاطى المخدرات والبرشام ومشهورون بحركاتهم البهلوانية التى ماتنتهى بشق بطن خصم لهم أو إصابته بعاهة مستديمة، وتطور تسليحهم بعد الثورة من الأسلحة البيضاء إلى الأسلحة النارية الميرى وطلقات الرصاص الحى حتى أنهم الأسبوع الماضى حسموا نزاعًا على أرض بناء لصالح مستأجرهم واعتقلوا المتنازع على الأرض ووصل بهم الجبروت إلى فرض غرامة على مستأجرهم، بالإضافة إلى قيمة إيجارهم لأنه منعهم من قتل خصمه وهو ما اعتبروه نيلاً من هيبتهم.
الأسلحة الميرى وطلقات الرصاص التى دعمت القوة التسليحية لـ "كاريكا" و"كاباكا" و"أبو ريان" مصدرها الغارات التى شنوها مع أتباعهم على الأقسام ونقط الشرطة والمراكز وقت ما كان شباب الثورة متجه للاعتصام بميدان التحرير ولا أعتقد بل أننى متأكد من أنه لا يوجد أحد من المشاركين بوعى فى ثورة يناير كان من ضمن خططه اقتحام الأقسام أو قتل الضباط أو سرقة الأسلحة ويدعم يقينى مشهد لايغيب عن ذهنى فى 28 يناير.. عندما انتهى الاشتباك الذى فرضه الأمن أمام كوبرى الجلاء على مسيرة سلمية قادمة من مسجد مصطفى محمود بفرار قوات الأمن ووقوع ضابط برتبة رائد أسيرًا فى يد المتظاهرين، حيث قام عدد منهم باحتضانه وسط هتافات سلمية.. سلمية وقاموا بتوصيله داخل قسم الدقى دون أى إهانة أو اعتداء عليه.
الحمد لله لم يمت أى من الثالوث البلطجى "كاريكا" و"كاباكا" و"أبو ريان" أثناء الثورة وإلا كنا قد شاهدنا أحداً من أسرتهم الآن واقفاً فى ميدان التحرير يطالب بإقالة حكومة شرف لأنه تهاون فى محاكمة قتلة " كابكا" أو لأنه فرط فى دم الشهيد " كاريكاً " أو أنه خان عهد الثورة مع "أبو ريان ".
الثوار يا سادة كانوا فى التحرير وفى الميادين العامة والشوارع الرئيسية فى المحافظات المختلفة.. وجزء كبير من البلطجية الذين كانت الحكومة تستأجرهم لمواجهة كل الحركات المناهضة لها هم من هاجموا الأقسام وسرقوا الأسلحة وهم من يروعوننا الآن وهم أيضاً جنود فلول النظام.. ولهذا فإن الأمر برمته يحتاج إلى تحقيق موضوعى فى كل حادث على انفراد حتى لانظلم شهيداً مات وهو يثور على الظلم وأيضاً حتى لا نظلم رجل شرطة برىء كان يقوم بالدفاع عن نفسه وعن مقر عمله ضد البلطجية.
خلط الأوراق يا سادة ليس من صالح الثورة كما أن الشرعية الثورية أداة ناجحة عندما تستخدم فى اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية لصالح الأمة لا تستخدم لصالح أصوات عالية مبتزة تريد تعويضاً عن فقداء لهم ماتوا وهم يخربون ويقتلون وربما وهم يعتدون على الثوار، أكرر.. الأحداث تحتاج إلى تحقيق حقيقى.
الأمر الثانى هو أنه بعد مرور أكثر من نصف عام على الثورة فإن مطالب الثوار وضغوطهم على الحكومة المؤقته ما زالت تدور فقط فى فلك المحاكمات والانتقام من رجال الشرطة وتعويضات الشهداء، أما مستقبل الوطن الاقتصادى والسياسى والتنموى فهو محل إهمال شديد ومع إقرارى بأن بيان الثوار الذى رفض خطاب رئيس الوزراء الأخير به اختلاف وقدر أكثر من المسئولية الثورية إلا أن هناك أسئلة كثيرة يجب طرحها وغائبة عن أجندة الثورة.
ماهى الخطة الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية فى مصر والقضاء على البطالة؟ تساؤل خارج أجندة ثوارالتحرير.. ما هو الموقف الثورى من المشروعات الاقتصادية الاستراتيجية التى استولى عليها رجال أعمال فاسدون بمساعدة نظام فاسد بموجب قوانين فاسدة مازال معمولا بها حتى الآن، وكيف نعمل الشرعية الثورية لإعادة الأموال والمشروعات المنهوبة حتى الآن؟ أسئلة خارج أجندة ثوار التحرير.. ما هى طبيعة الحكم الذى تحتاجه مصر لإعادة الأمن والقضاء على منظومة البلطجة والفساد التى أسسها النظام السابق على مدار ثلاثين عاما؟ كلها حوارات خارج أجندة ثوار التحرير المكتفين بمشهد ثورى واحد وهو المقصلة، وفرق كبير بين الغل والثورة.
أنا لست ضد الغل الشعبى ولا ضد المقصلة ولكنى ضد انفرادهما بالمشهد المصيرى لمستقبل لمصر.. الفوضى القادمة وعدم وضوح الرؤيا أشد خطورة بل هما طريقان ممهدان لعودة الأوضاع المتردية.. احذروا.