حنان حجاج

الفلول والمتحولون والمسمِّمون

الجمعة، 15 يوليو 2011 04:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما قال فريد الديب، محامى الرئيس المخلوع، إن مبارك كان مع الثورة تعاملنا جميعا مع الأمر باعتباره «مسخرة» واستخفافا لا يستحقان أكثر من ضحك اللحظة، وربما بضع نقرات على «الكى بورد» لكتابة تعليق ساخر وانتهى الأمر، الديب كان أكثر وضوحا فى تحايله على الثورة لدرجة تستحق الاحترام على الأقل لأنه قدم خدعة مباشرة وساذجة بدت كفقاعة الصابون مدهشة وقصيرة العمر ومسلية.

أما المدهش فهو أن بعص «صغار» كبار الكتاب والإعلامين ممن يمتلكون أعمدة صحافية ثابتة فى كبريات الصحف اليومية وأولها جريدة الأهرام كانوا أكثر دهاء وخبثا وحرفية فى التضليل والخداع.. السادة الكتاب الذين كانوا قبل الثورة يبتهلون كل صباح ويصلون فى معبد النظام وتركع كلماتهم أمام صولجان حكم الأب والابن والهانم، ثم أصبحوا من ملقى الحجارة ولاعنى الثورة عندما بدأت واتهموها بالعمالة والتآمر وأنها ثورة أجندة، ومارسوا على الناس عبر مقالات سودت صفحات كاملة التضليل والخداع والكذب بكل فجاجة، هؤلاء الذين لم يصدقهم أحد عندما عادوا لينكروا ما فعلوه، فى حين اكتفى فريق منهم بالاختفاء المتعمد، مراهنين على أن الأيام تنسى، وأن الناس ذاكرتها ضعيفة، عاد هؤلاء جميعا بوجه جديد لا هو وجه الفلول الوقح ولا وجه المتحولين المخجل، لكنه وجه آخر أكثر نعومة وخبثا، إنه وجه الثائرين، فقد قرروا أن يكونوا جزءا من الثورة، ليس تكفيرا عن كفرهم السابق، أو توبة عن خطيئة لعنها، فقد رأى هؤلاء أو من وراءهم أن الطعن من الداخل وتسميم جسد الثورة بجرعات ناعمة وصغيرة سيكون أكثر فاعلية الآن، مقالات لو خضعت لتحليل مضمون دقيق ستكون غاية فى الخطورة للثورة العظيمة.

انتهت مرحلة رمى الثورة بحجارة العمالة والأجندات والتشكيك التى مارسوها منذ اشتعلت الثورة وحتى سقوط النظام، وبدأت مرحلة الطعن من الداخل من فلول الأمس الذين قرروا فجأة أن يكونوا جزءا من الثورة، وأن تبدأ مقالاتهم دائما بجملة «ثورتنا العظيمة»، ولا مانع من الإشارة «لسقوط النظام الفاسد»، وهو النظام الذى كان هؤلاء نساكه وعباده، ثم بعد ذلك تبدأ حقنة السم فى الدخول فى جسد الثورة، وعندما يكتب مثلا كاتب ومذيع كان يوما مبتكر مصطلح الأجندة، وأصبح الآن من مؤيدى الثورة فى مقالاته، قائلا: «اللهم اكفنا شر الحركات السياسية، أما الأحزاب الرسمية فالشارع كفيل بها فى الانتخابات»، أو يكتب «كان موعد الثورة الحقيقى منذ عامين لو انتفض الناس لشهداء العبارة مثلما انتفضوا لخالد سعيد، ولكن لم يكن لأحد من الغرقى علاقة بأمريكا أو الفيس بوك»، فلنا أن نسأل ماذا يقصد السيد المسمم - بكسر الميم - وهو اللقب الأدق لهؤلاء، أليس هذا طعنا فى كل الحركات السياسية التى أشعلت هذه الثورة وقدمت شهداءها ثمنا لها، ثم بنفس حسبة المذيع والكاتب لو أن الثورة قامت من أجل شاب مصرى اسمه خالد سعيد، وهو يستحق، ألم يكن من الأولى أن تقوم العام الماضى.. ياسيد يا محترم الثورة قامت من أجل كرامة كل المصريين، ومن أجل حرية المصريين ومن أجل عدالة اجتماعية لفقراء المصريين، ولكن ماذا نقول وحتى أساتذة الأستاذ، وعلى رأسهم كبار السن من الكتاب والرموز الصحفية يلعبون نفس لعبة التسميم القاتلة لجسد الثورة وحرقها من الداخل أمام البسطاء من الشعب عندما يتهم الثورة بالتهور، والتشكيك فى كل شىء «رغم عظمتها»، وأنها يمكن أن تحيل مصر لعراق آخر، ثم فى النهاية يخاطب الناس قائلا: «مطلوب من ثوار التحرير بعض الوقت وبعض الصبر وبعض الثقة والانتباه للمخاطر التى تحدق بالثورة»، شكرا يا أستاذنا رسالتك وصلت، الأستاذان الكاتب الصغير والكاتب الكبير جدا عينة صغيرة جدا لعشرات المقالات أصبحت تمارس لعبة التسميم المنظمة لجسد الثورة، لكنهم بالتأكيد لا يعلمون أن الثورة فى قمة شبابها، وتستطيع أن تهضم سم الكلام المعسول، وأن تنقى جسدها من سموم الثعابين، فالأجساد الشابة ليست كأجساد العجائز المتهالكة التى كانت تدفع لهم يوما ثمن أفكارهم وثمن مداد حبرهم، وقبلها ثمن وطنيتهم وكرامتهم وشرف مهنتهم ،الثورة لن تموت، وموتوا أنتم بغيظكم.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة