ليس كل من هتف باسم الحرية مؤمنا بها، وليس كل من قال إنه من شباب الثورة قد شارك فى إشعال نارها أو يفهم معناها، وليس كل من وقف على منصات ميدان التحرير خطيبا ومتحدثا باسم الثورة يصبح من الثوار، هناك ناس تشارك بفعل الدفع الجماعى وينضح ظاهرهم بغير ما تمتلئ به البطون.
منذ عامين أو أكثر كتبت الكلام القادم عن منصة القضاء وضرورة تطهيرها، ووقتها جاء رد الفعل من جانب القضاة عنيفا كما كان متوقعا، ولكنه كان أكثر عنفا من جانب تيار الاستقلال على عكس أكثر التوقعات تشاؤما، وكان أول الغاضبين هو المستشار زكريا عبدالعزيز، الذى يخطب الآن على منصات الميدان هاتفا باسم حرية الرأى والتعبير.. وسأتركك مع السطور القديمة لتفهم بعضا من طبيعة التحولات التى أصابت الواقفين على منصات الثورة لتحكم أنت بنفسك على غضب سيادة المستشار، وتسأل معى نفس السؤال: كيف أصدق الرجل الذى غضب من رأى وهدد بقمعه، وهو يهتف الآن بالحرية وضد قمع الآراء؟!.
إنها حقا معادلة صعبة جدا.. أصحاب الحقوق غالبا ما يهربون من سكة المحاكم لأنها كما يقال الحكمة الشعبية «حبالها طويلة»، وطريقها كله محامون وأتعاب وفى نهايته قاضٍ لا تعرف إن كان من أصحاب المقبول أو الجيد جدا أو ممن تدخلت درجات الرأفة وصلات القرابة وكروت الواسطة للخروج بهم من باب الجامعة إلى باب النيابة مباشرة.
فى الشارع الحقيقى أغلب الناس لا يصدقون بعض القضاة، وكيف يصدقون قضاة أعلنوا غضبهم بسبب عدم تعيين أولادهم فى النيابة رغم أنهم لم يستوفوا الشروط الدراسية التى تؤهلهم لذلك؟ أو لأنهم يرون أبناءهم من جنس أرقى خلق للمنصة وخلقت هى له؟، كيف نقتنع أن القاضى الذى حارب ليضع ابنه على منصة القضاء مغتصبا حق طالب آخر يمكنه أن يحكم بالعدل فى أى قضية أخرى؟، كيف يمكننا أن نؤمن بنزاهة بعض القضاة، الذين يميزون سياراتهم بما يخالف القانون؟.
اسأل أى شخص تعرفه عن معاناته من سيادة المستشار الذى يسكن فى شارعه واحتكر منه جانبا أو أكثر بسلسلة حديدية من أجل سيارته، ضاربا عرض الحائط بحقوق جيرانه فى الشارع، ستجد المئات منهم يقصون عليك حواديت معاناتهم مع حصانة المستشار القضائية!
كل منا يملك حدوتة مثل هذه سواء كان شاهد عيان عليها، أو سمعها من قريب أو صديق.. حواديت تصلح لصنع ألف رواية خلاصتها أن القضاء المصرى جزء من منظومة الفساد، التى كانت تحكمنا بغلظة الحديد وفهلوة القانون، بل حتى المحاكم التى يسكنها القضاة أنفسهم بها الآلاف من القضايا، التى تنتقص من نزاهة بعضهم، تختصمهم بأوراق رسمية ختمها النسر تؤكد تلاعبهم وتثبت أن بعضا ممن يجلسون على منصة القضاء فى مصر لم يستديروا برؤوسهم يوما ما ليقرأوا تلك اللوحة، التى تتصدر الحائط وتخبرهم بأنهم إذا حكموا بين الناس فليحكموا بالعدل، أو ربما قرأوها حين غفلة ولكنهم لم يدركوا معنى كلمة العدل، أو لم يلتقوا بها مسبقا فى تفاصيل حياتهم العادية!
هل عرفت لماذا لم أعد أصدق الذين يقفون على منصات ميدان التحرير للحديث باسم الثورة؟ غدا نستمر معا فى النظر لهؤلاء الذين يسكنون الائتلافات من الشباب، والذين يسكنون الميدان، ويسرقون حق الشهداء والمصابين والغلابة دون وجه حق من أجل ظهور فضائى.