لا أعرف طريق النجاح، ولكن أعرف طرق الفشل، وهى أن تحاول إرضاء جميع الناس، فلعدم وجود التنظيم الثورى، ولغياب الفكر الثورى، ولضياع البرنامج الثورى المتفق عليه، أصبح الرأى العام فى حالة توهان، وينتابه حالات دوران مما يشاهده من ممارسات وأفعال، وجميعها باسم الثورة، والأهم أن كل فاعليها يطلقون على أنفسهم أنهم ثوار، فقد اتفق الجميع دون استثناء سوى ذيول ومستفيدى النظام السابق على إسقاط النظام، وبعد سقوط مبارك كان يجب أن يستمر هذا الاتفاق، وأن يعمق هذا التوافق لحين تحقيق الثورة على أرض الواقع، ولكن للأسف فقد تصور الجميع على اختلاف منابعهم السياسية أن وقت جنى الثمار قد حان، فكان الاختلاف الذى بدأ بعد يوم 19 مارس بهذا الاستقطاب السياسى والطائفى غير المسبوق الذى أنتج كثيرًا من الاستقطابات كتوابع زلزالية، فكان الاستقطاب حول الانتخابات والدستور وأيهما أولاً، ثم تحول هذا إلى شرخ أكبر من الاستقطاب حول ما يطلق عليه الدولة الدينية والدولة المدنية، كان من الطبيعى ونتيجة لهذه الحالة المؤسفة التى لا تتفق مع أى ثورة أن يغيب الاتفاق ويتوارى التوافق إلا فى تصريحات صحفية وتلفزيونية، أو داخل اجتماعات تصدر فيها توجيهات كقبض الريح، ظهر هذا جليّا يوم 8 يوليو بعد انسحاب البعض وبقاء البعض الآخر، بالرغم من الاتفاق على أنها جمعة الثورة أولاً، ومنذ ذلك اليوم والاختلافات تزداد والتناقضات تتعمق، مما جعل هناك أحزابًا قديمة وحديثة وجماعات متعددة وائتلافات بلا حصر ولا نهاية لها، الكل يزعم أنه الثورة، والجميع يتصور أنه مفجرها، لولاه ما كانت، وبغيره ما كان هناك سقوط لمبارك، والكل بلا استثناء يستمد شرعيته من التحرير، حتى أصبح التحرير ليس مكانًا للتظاهر؛ بل هو الثورة ذاتها، ولابد أن تدار الثورة من التحرير، وتقال أيضًا من هناك، بل لابد أن يقوم أهل التحرير بتعيين مجلس الوزراء ورئيس الوزراء، سواء كان هذا من خلال ما سموه بالاستبيانات أو عن طريق ضغط الشعارات، وصاحب القرار أيّا كان لأنه يخضع للتحرير، فأصبح الآن الجميع ينافقون التحرير ويداهنون الميدان، بل أصبح لقبًا لجميع الأسماء، الجميع وعلى رأسهم الإعلام، خاصة تلك الهوجة من البرامج المسائية والصباحية والتى يتسابق أهلها على استضافة الأسماء ذاتها، والأشخاص نفسها الذين لا يملكون من أنفسهم سوى أنهم كانوا فى التحرير، وهم أيضًا ذاهبون إليه، فهل هذا قد أصبح مبررًا لأن يطالب بعض المتواجدين فى التحرير بأن يكون فلان رئيسًا للوزراء، وعلان وزيرًا؟ الميادين والتظاهرات والاعتصامات وحدها لا تخلق ثورات، ولكنها هى بعض الأدوات، وفى حالتنا هذه لأننا نفتقد إلى التنظيم الثورى وأيضًا إلى التوافق الثورى.
كما أننا لم نجمع على اتفاق حول خطة تسيير هذه المرحلة الانتقالية بكل مخاطرها فالآن قد أصبح الكل متحدثًا وفاعلاً كل ما يعن له من شعارات أو مطالبات أو سلوكيات تتناقض كل التناقض مع الثورية والثورة، لأنه فى غياب التنظيم والتوافق الثورى لا أحد يستطيع أن يفرز الغث من السمين، ولا يعرف الثائر من البلطجى الذى يخترق صفوف الثوار كثائر مثلهم. فما النتيجة الآن؟ يوم الجمعة الماضية كان هناك ثوار فى التحرير، وثوار فى روكسى، من يعلن أنه ضد شرف ويطالب باستقالته، والآخر مع شرف ويطلب بقاءه، من يأخذ موقفًا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والآخر يتظاهر تأييدًا ومباركة للمجلس الأعلى. من يرشح وزراء لا علاقة لهم بالوزارة، ولا حتى بالعمارة، لمجرد أنهم من مجموعة الأصدقاء فى التحرير. ومن يعارض هذا الترشيح من الأساسى. من يؤيد اللواء الفنجرى، وبيانه باعتبار أنه قد جاء فى الوقت المناسب وفى مواجهة تلك السلوكيات الهادمة للثورة مثل غلق المجمع والتهديد بغلق قناة السويس، أو من يهدد بالاستيلاء على مديرية أمن الإسكندرية، وهناك من يرفض بيان الفنجرى ويعتبره تهديدًا وترهيبًا مرفوضًا للثوار. ثوار التحرير يتحدثون باسم الشعب المصرى. وثوار روكسى يقولون إنهم يتحدثون ويعبرون عن تلك الأغلبية الصامتة، ولا نعلم من الصح ومن الخطأ. من هو مع الثورة والثوار، ويعبر عن كل المصريين، ومن هو ضد ذلك، هذا المشهد هو ما سيضيع الثورة. الثورة ليست ملك من هم فى هذا الميدان أو ذلك، الثورة ثورة كل المصريين وأمل كل الكادحين وطموح كل الفقراء. فكفى مزايدة أيتها النخبة واتركوا الشعب الحقيقى يحافظ على ثورته.