أخشى أن المسألة الليبرالية فى مصر، قد تتحول من الخصومة مع التيار الإسلامى إلى عداء للإسلام وشرائعه وأحكامه نفسها، فأن يخرج علينا مؤسسو أحد الأحزاب الليبرالية الجديدة، التى خرجت إلى النور بعد الثورة، ويزعم بأن التاريخ الإسلامى لم يعرف مطلقا فكرا اقتصاديا حقيقيا، وأنه لا يوجد تاريخيا ما يمكن تسميته بالاقتصاد الإسلامى، فهذا إقصاء كامل للفكر، وإنكار لوقائع التاريخ إلى الحد الذى يمكن وصفه بأنه «استعباط فكرى وسياسى».
أفهم هنا أن يقول البعض بأن الفقه الاقتصادى الإسلامى، يحتاج إلى اجتهاد جديد ليتلاءم مع العصر، وأفهم أيضا من يقول إن لكل بلد من بلدان العالم الإسلامى طبيعته الخاصة، وتحدياته الاقتصادية المختلفة، لكننى لا أفهم أبدا أن يصل «الاستعباط» إلى نفى التاريخ نفسه، منذ دولة النبوة مرورا بالخلافة الراشدة، وحتى الدولتين الأموية والعباسية، ثم الصياغات الاقتصادية المختلفة، التى ظهرت فى عصور ما بعد الخلافة العباسية.
المسألة هنا لا علاقة لها بالخصومات الانتخابية مع الإسلاميين، فلا يجوز فى خصومة من هذا النوع، أن يخرج من ينفى التاريخ نفسه، لأن من ينفى هذا التاريخ الإسلامى باجتهاداته الاقتصادية المتعددة، يستحق الإبعاد عن العمل السياسى باعتباره فاقد الأهلية، ومشكوكا فى قدراته العقلية.
أنصح كل المدنيين الليبراليين الجدد، بأن يميزوا بين الحوار مع التيارات الإسلامية فى ضوء عصر معين، وحسابات سياسية وانتخابية محددة، وبين الخصومة مع الإسلام نفسه.. شرعا، وفكرا، وتاريخا.